للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الصحافة عندنا]

لحضرة صاحب الفضيلة العالم الأديب الشيخ مصطفى عبد الرزاق

كرتير المعاهد الريفية

كان الغريب إذا حل بلداً فأراد أن يلم بجمال أهله زار المعابد وغشى الملاهي ليرى أثر العقائد الدينية وهو أكبر مظاهر الجد ويرى ذوق القوم في اللهو واللهو من جوانب الحياة أيضاً وما برحت المعاهد والملاهي موضع استكشاف لمن يحاول أن يتعرف حال الجماعات عن كثب في عقولها وأخلاقها وأذواقها ويتتبع تطوراتها ويوازن بين جهاتها.

ولكن العصور الحديثة أوجدت مرآة جديدة لتبين ما عليه الجماعة في مدنيتها، تلك هي الصحافة التي تصور منازع الناس في أخلاقهم وأفكارهم وحركات تقدمهم وانحطاطهم وتفصح كل إفصاح عن مذاهبهم في الجد وذوقهم في اللعب.

وقد لا تكون صحافتنا خارجة كلها من أعماق قوميتنا بيد أنها مثل لما نحن عليه في حياتنا الاجتماعية وفيها مظاهر أخلاقنا.

تنشر الصحافة كما يدل عليه الاستقراء نشرات تدون أخبار الوقائع المتفرقة التي يجمعها المؤرخون عادة في مؤلفاتهم وذلك عهد السذاجة التي يكون فيها دعوة الإصلاح خافتة وحركة الأفكار ضعيفة فلا تتجه الأذهان إلا للحوادث الجزئية من غير تحليل فيها ولا تركيب ولا استنتاج ثم تشتد دعوة الإصلاح الاجتماعي وتقوى فتؤسس الأحزاب السياسية والجماعات الإصلاحية وتحتاج في تأييد دعوتها إلى لسان ناطق هو لسان الجرائد وتنمو الحركة الفكرية وتنهض حجتها وتقتضي بياناً يجليها ويدفع شبه خصومها هنالك تخرج الصحافة من طور الطفولة إلى طور جديد تصير به لسان حزب ذي مبادئ يريد أن تسود في الناس لأنها عنده أساس الخير للجماعة أو تصير مجلات تحمل إلى العقل البشري ثمرات جديدة في العلم.

وقد تجاوزنا من غير شك عهد السذاجة الصحافية وعرفت بلادنا جرائد الأحزاب وعرفت المجلات العلمية.

ولئن كانت جرائدنا الحزبية اعتبطت كلها بأسباب يرجع بعضها إلى عيب في القيام بتدبير شؤونها، فإن مجلاتنا أيضاً لا تزال تنازع الحياة نزاعاً.