للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جنون الأنانية الايجومانيا]

وسر خيبة المصابين به في الحياة

مجنون الأنانية شديد المبالغة في قدر قيمة نفسه ومبلغ أهمية أعماله مهما صغرت وذلك لأنه لا يشغله شيء غير نفسه والعالم أجمع ليس له في قلبه إلا أضيق مجال بل ربما لم يكن له ثمت مجال قط. فلا غر وأن يظل وهو لا يدرك ما هنالك من الصلات والعلائق بينه وبين سائر الناس والوجود ولا يحسن فهم الوظيفة التي يجب أن يؤديها في مجموعة النظامات الاجتماعية. وقد يخشى أن يخلط القارئ بين جنون الأنانية وجنون العظمة ولكن بين الاثنين فرقاً مميزاً، أجل لا خلاف في أن جنون العظمة ناشئ عن اختلال في الأجهزة الحيوية مؤد إلى دوام اشتغال الإنسان بنفسه فترى أن ما يصاب به صاحب هذا الداء من التهيج الكيماوي البيولوجي في الأجهزة الحيوية هو الذي يحدث تلك التخيلات الفاحشة التي تجعل المرء يتصور أنه ملك أو أمير أو قائد أو نبي أو بطريق.

فجنون العظمة مشابه لجنون الأنانية من حيث أن المصاب يكون في كلتا الحالتين مشغولاً بذاته. ولكن الجنونين مختلفان في النقطة الآتية وهي أنه لما كان جنون العظمة يستثير في ذهن المريض تلك الصور اللذيذة التي توهمه أن له في المجتمع مركزاً عظيماً ومنزلة جليلة فذلك يستلزم أن المريض مع شتغاله بنفسه لا بد أن يشتغل كذلك بالمجتمع الذي (حسب تخلياته) قد أصبح أميره أو وزيره أو قائده أو نبيه. أما جنون الأنانية فعلى العكس من ذلك يعزل المصاب عن الجماعة ويحجبه داخل ذاته احتجاب القنفذ في شوكه والسلحفاة في قشرها. ففي جنون العظمة ترى المصاب يحسب حساب المجتمع ويعرف مقداره ويعترف بأهميته مخطورته ويعلق أهمية عظيمة على خضوع ذلك المجتمع له (أي لذلك المريض) واحترامهم له وإجلالهم إياه. أما في جنون الأنانية فلا يرى المصاب ضرورة إحرازه مركزاً اجتماعياً عظيماً (موهوماً بالطبع) ولا يريد إجلال الناس له وإكبارهم إياه ليبرروا له شدة عنايته بنفسه وتفانيه في حب ذاته بل هو لا يرى المجتمع البتة. والناس في نظره غير موجودين. والكون بحذافيره لا يتراآى له إلا كشبح مبهم أو ضبابة رقيقة. كلا بل لا يخطر بباله أنه فرد من الجماعة أو أنه مخلوق أسمى درجة من سائر المخلوقات وإنه لهذا السبب محمود أو محسود. والذي يراه هو أنه منفرد في الدنيا بل هو نفسه الدنيا.