للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[صورة مشؤومة]

وهنالك انغمس ذلك الفتى في عمله انغماسا لهاه عم كل شيء آخر: وجعل دأبه وديدنه غشيان المتاحف حيث كان ربما وقف الساعات العديدة المتوالية إزاء تصاوير الفحول الأقدمين يستطلع أسرارا الفن ويستجلي غوامضه باقتفاء آثارهم ونقرى أساليبهم وتتبع مذاهبهم. وحبذا الدروس الصامتة والإرشادات الخافتة التي كان يتلقاها عن تلك البدائع الخالدة وكان يأخذ من كل نابغة من أولئك القدماء أحسنه وأطيبه. وينقل عن كل نفيس مكن آثارهم الباقية آنفه وأعجبه. ثم جنحت به طبيعته ومالت به سليقته نحو أمام المصورين قاطبة وسيدهم غير مدافعرافائيل المقدس مثلما ينحاز الشاعر بعد إدمان النظر في دواوين الفحول إلى أسلوب سيد الشعراء هوميروس فيتخذه إمامه وقدوته إذ يرى فيه جماع ما قد تفرق في أشعار سائر الشعراء من المحاسن والمزايا.

لما دخل الغرفة شارتكوف وجد طائفة من الوفود مزدحمين أمام الصورة قد شملهم السكوت كأن على رؤوسهم الطير. فأشعر وجهه سيما الخبرة والدراية من الصورة بكبرياء الحبر العلامة المتضلع ولكن ما أبصر أمامه!.

لقد تجلت الصورة لعينه كالعروس جمالا وفتنة وجلالا. ووقف النقاد أمامها مطرقين حيرة ودهشة قد جمعت فأوعت إذ ضمت أفانين بدائع الفن صنوف ملحه وأعجب من كل ذلك ما نمت عليه من أسمى مراتب الابتكار والإبداع. حيث بدا للناظرين في غضونها وثناياها أن صاحبها كان ممن لا يزال يرتاد كنوز الطبيعة فسيتوعب نفائسها في خزانة خياله فإذا انصب للعمل استماحها ثانية من ذلك المنبع الروحاني العبقري فأفرغها في أعجب قالب من الحسن وصاغها على أغرب مثال من الملاحة ثم وسمها بأفتن ميسمم من الإبداع وطبعها بأسحر طابع من الروعة، لقد هز منظر الصورة من نفوس الجماعة وحرك من أوتار شعورهم حتى شرقت بالدموع أجفانهم. وكأن الجميع قد اشتروا معا في أنشودة صامتة تجلة لتلك الآية المقدسة وإكبارا.

وقف شارتكوف أمام الصورة شاخص البصر فاغرا فاه. ولما استرد الجمع عازب عقولهم واستجمعوا شارد أحلامهم وبدؤوا يتهامسون بآرائهم عن الصورة ويتبادلون الكلام فيها التفتوا إلى شارتكوف فسألوه رأيه فيها فعند ذلك ثاب إلى رشده فحاول أن يتظاهر بقلة الاكتراث والمبالاة واجتهد أن يلفظ بكلمة عادية مبتذلة مما جرت به العادة في وصف