للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الصور التي لا قيمة لها ولا خطر كقولهملا بأس بها. إنها لا تخلومن بشيء من القيمة - نقول لقد اجتهد شارتكوف أن ينطق بشيء كهذا ولكن أرتج عليه فاعتقل لسانه. واحتبس بيانه. ومات المنطق على شفتيه وفاض جفنه عبارات وصدره زفرات وغر هاربا من الغرفة لا يلوي على شيء في طريقه.

وبعد برهة رأى نفسه واقفا في غرفته الفاخرة. لقد كان في غفلة وفي غرور وفي غمرة. فما هي إلا أن أبصرت تلك الصورة حتى انجلت غمرته وانجابت عمايته وانقشعت غوايته، لقد كان الترف والنعيم وما أعقباه من تبلد الملكات واسترخاء القوى وعجز الهمة قد أطفأت فيه جذوة العبقرية وأغاضت معين الحياة وحجبت أشعة الوحي الفني فما هو إلا أن أبصر تلك الصورة حتى ثار ثائره. وكأنما انبعثت روح النبوغ من أعماق روحه وهبت ريح العبقرية من أنحاء نفسه وكأنما انتبه جنانه. واستيقظ وجدانه. للتو واللحظة. وكأنما استعاد صباه. واسترد شرة سبابه وحماياه. وكأنما سقطت عن عينيه الغمامة. وانجلت عن سماء ذهنه الغمامة. يا للداهية ويا للبلية ويا للقصمة الظهر ويا للطامة الكبرى! لقد أضاع زهرة العمر وصفوة الحياة في غير ثمرة ولا طائل. لقد أخمد في قلبه تلك الشرارة التي لو صانها لكانت ربما تأججت حسنا وتلهبت جمالا فأصبحت آثارها فتنة القلوب وزينة الأبصار. ومحل الإعظام والإكبار. واستدرت دموع الفرح والإعجاب كما فعلت تلك الصورة التي شاهدها آنفا ولقد خيل إليه في تلك الساعة كأنما العواطف والنزعات والآمال والوجدانات التي كان يجيش بها صدره في عهد الشباب قد ثارت من مكامنها وهبت من مدافنها في أعماق روحه.

فتناول ريشة وتقدم إلى بعض ألواحه وقد استحوذت عليه فكرة ملكت مشاعره ووجدانه وذلك أنه أراد أن يرسم صورة ملك ساقط قد زل عن مقام الملائكة وهوى إلى وهدة الإثم والخطيئة. وشد ما انطبقت هذه الفكرة على إحساسه إذ ذاك التأمت مع شعوره. فأقبل بريشته على اللوحة يبذل أقصى جهوده وقد تحلب جبينه عرقا ولكن ما فاضت به الريشة من الأشكال والمواقف والأفكار كانت لسوء الحظ تأبى أن تتلاءم وتنتظم وتتناسق وأدرك أن يده قد فقدت مهارتها وحرمت براعتها وسلبت ملكة التصرف والافتتان بطول انحباسها على أسلوب واحد والتزامها طريقة واحدة. وجعل عجزه عن التخلص مما قد ضر به على