للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أحداث الشهر]

عمرية حافظ

ما نشك وما نرى أحداً يرتاب في أن حافظ بك إبراهيم الموظف بدار الكتب السلطانية قد انتكس في عهده الأخير انتكاساً شعرياً، فتراجع طبعه وأصفت قريحته وأصبح كما يقول الفرزدق - وإن قلع ضرس من أضراسه لأهون عليه من نظم بيت من الشعر الذي يسمى شعراً، وإذا جاز لنا أن نتابع الأولين في تمثلهم، ونأخذ في العبارة بمجازهم قلنا أن آلهة الشعر قد ملت حافظاً فطردت جنيته بعيداً عنه فما تجد إليه ولا يجد إليها سبيلاً وقد جعلت تلك الآلهة على شعره سافله وأمطرت منه الحجارة. . فهو اليوم ينظم بلا عون إلا من الكتب والدواوين يلتقط منها الكلمة ويسترق المجاز ويسلخ المعنى وينسخ ويمسخ ويعالج ما يعالج المكدود المنقطع ثم يجيئنا بعصب الريق ونحت الصخر وهذا الشعر المخذول والنظم المغسول ثم يقول للناس هاؤم اقرأوا. . .

فلك الله. . . ماذا نقرأ من هذه العمرية - وما هي في بنائها وهندستها ووضعها وأبياتها المتداخلة وما نفض عليها القدم من أسلوبه وصفته ألا صرح يشبه مهجور ربع السلحدار في الجمالية، ولعل من مراعاة النظير ما رأى لطفي السيد بك من أنه يجب أن يكون إلقاء هذه القصيدة في درب الجماميز. . .

نظم حافظ سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فما عدا أن مسخ التاريخ فإذا هو تفاعيل، وجاءنا بهذه العمرية فأعلمنا بعد الهرم وبعد عمر قطعناه في الأزهر أن مجموع المتون ينقصه متن جديد يسمى عمرية حافظ إبراهيم، وإلا فأين الشعر في نواحي هذه القصيدة وأين الروح الإلهية التي تخلق هذا البطل العظيم بعد نيف وثلاثمائة وألف سنة وأين موضع الاتصال بين روح حافظ وروح الفاروق، وأين أسرار التاريخ وفلسفته وشعر الحياة التي لم تشهد الأرض مثلها إلا ما شهدت من النبيين وأولي العزم من الرسل؟

أما آن لك يا حافظ أن تقدر هذا الناس الذي تعيش بين ظهرانيه حق قدره، وأن تدرك مبلغ التطور الذي ألم بنفسية الجمهور من وقت أن استأثر الله بالأستاذ الإمام إلى اليوم.

لقد كان جمهور الأمس يهتز لكل كلمة تهبط عليه من أي نواحي الأستاذ وكنت أنت بعض نواحيه وكانت لا تزال فيك بقية من نقد الأستاذ وتهذيبه وحكمه ونوابغ كلمه ولا يزال