للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الأيدي القارئة]

كيف استطاع العلم الوصول إلى تعليم العميان القراءة والكتابة

ما أثقل عبء الحياة، وما أعتم الكون، إذا عاش الإنسان في ظلام دامس، ومر بالعالم مروراً، ولم ير الشمس، إلا حرارة في اليدين، ولم يحس منها إلا دفئاً في البدن، ولكن ليس نور الشمس هو الذي يبدد وحده ظلام الحياة، فكثيرون من المبصرين، يعيشون في حلكة شديدة في أعمق مخابئ العيش، لأنهم أوتوا البصر، ولم يؤتوا البصيرة، ولم ينالوا حظاً من العلم، ولم يضربوا بسهم في التهذيب.

ولذلك جاهد العلم في خلال القرن الماضي وخاتمة القرن الذي جاء قبله ليرسل نوراً ساطعاً يغني عن نور الشمس، إلى عين الأعمى، ليبدد حزنه، ويفتح إزاء روحه مغاليق الفكر، ويلهمه التأمل والابتهاج بأنه يعيش في قلبه، ويحيا في صميمه، والقراءة للأعمى هي البلسم العذب لجراح عينيه، والكتاب لديه هو الخدن الذي لا تمل عشرته والولي الذي لا يبرم بولائه ورفقته، أنه يعلمه وينسيه آلامه، وهو الذي يزكي روحه ويطهر فؤاده وينير بصيرته، وقد كتب رجل أعمى إلى صديق له إن لديّ كتباً أقرأها، هذا هو البعث، هذا هو الرجوع إلى الحياة، إلى النور، إلى حرية الفهم والإدراك.

ونحن نذكر هنا تاريخاً موجزاً للعلم من هذه الناحية، ونبسط للقراء نبذة عن أولئك العظماء من سادة أهل العلم الذين وقفوا حياتهم على الوصول إلى الطرائق الميسرة لتعليم العميان كيف يكتبون ويقرأون، ولعلهم في التقدير الإنساني يقومون في الصف الأول من أبطال العلم الذين خدموا الإنسانية، وكفكفوا دموعها وآسوا جراحها.

إن الرجل الذي مهد السبيل ووقف في الطليعة، هو العالم فالنتان هوى، فقد أوحي إليه في عام ١٧٧١ أن يخرج الفريق الأعمى من الإنسانية من آلامهم بتعليمهم العلم، إذ كان مقتنعاً بشدة ذكائهم ففكر في وضع كتب لهم بحروف بارزة، وفعلاً قام بعمل حروف طبوغرافية عادية ولكنها كانت كبيرة الحجم، وظاهرة التعاريج بحيث لا توجد أي صعوبة في معرفتها باللمس.

على أن هذه التجربات الأولى التي قام بها ذلك الرجل لم تكن إلا تجربات طويلة ذات نتيجة ضئيلة، وأكبر عيوب الطريقة التي ابتكرها هي أن الكتاب الصغير يستلزم حجماً