للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[رباعيات الخيام]

بقلم الأستاذ محمد لطفي جمعة

منذ ست سنين في صيف ١٩٠٦ كنا جماعة من أقطار الأرض لا تربطنا سوى عروة الإنسانية وحب الجمال على ضفاف بحيرة ليمان بمدينة ذات مناظر حسناء وطرق منحدرة لا أصرح باسمها لأنه صار لديَّ من المضنون به على غير عشاقها فإن فطنت إليها فمكافأتك في معرفتك. وكنا جميعاً في ربيع الحياة نعشق الحسن في الطبيعة وفي القول. نجتمع في ضوء القمر بليال ما كان أقصرها وددنا لو تكون أبدية وكنا ننشد أغاني شاعر قديم كان لها في نفوسنا فعل السحر فكان بعضنا يحفظها عن ظهر قلب والبعض يقول عنها أنها إنجيله المنزل. وهذه الأناشيد هي رباعيات الخيام. المدفون في قبر تنمو حوله شجيرات الورد ويهب عليه النسيم من كل جانب.

شعر الخيام الشاعر الفلكي الصوفي المؤمن الجاحد المتصبب العاشق الزاهد الحائر هو زهرة من رياض آداب الفرس بل درة من بحرها الزاخر وعجيب بنا أن يقل لدينا العارفون بها وبه وقد ألم أهل الغرب بكل دقيق وجليل من شؤونها ونقلوها إلى ألسنتهم ولها من اهتمامهم وإعجابهم نصيب وافر.

فكان في آدابنا الحديثة فراغ حاول فريق من الأدباء أن يملؤوه فكتب الأديب عيسى اسكندر معلوف فصلاً في الهلال الأغر عن الخيام ثم دوَّن الألمعي أحمد حافظ عوض فصلاً في مجلة الموسوعات ثم أقبل الكاتب العبقري عباس محمود العقاد ففسر بعض رباعيات عمر الخيام في جريدة الدستور ولكن شاءت الأقدار أن يكون تمام التفسير على يد فرع الدائحة البستانية وهو الألمعي الضليع وديع البستاني.

لا يزال شعر الخيام لغزاً على منشديه وقرائه وقد كانت الحياة كلها لغزاً في نظر عمر. كانت الحياة في نظره لغزاً لا يحل ومن حاول حله ضلوا. ولكن قليلين يفطنون إلى معانيه ومقاصده وهم الذين تألموا مثله وحارت ألبابهم في فهم معجزة الكون وفي قلوبهم نار تتأجج ولا تخمد وبنفوسهم ظمأ لا يطفأ صحونا ففطنا فدهشنا فبحثنا فلم نهتد وعدنا بصفقة المغبون وحسرة النادم وحاولنا إخفاء الحزن بقرع الكؤوس ومغازلة ذات حسن كاعب - هذه فلسفة الخيام التي صاغها في أجمل قالب رباعيات تتملك من أركان القلب الأربعة وأن