للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شذرات من كتاب حديث المائدة]

٥

الريحان

جاءت الفتاة تحمل بين أفنان شعرها وردة وكانت قد بكرت الغداة على البساتين تستنثي نسيم الصبح وعادت بثلاث وردات تلك التي ذكرت ووردتين واحدة على كل وجنة. فقلت لها ذلك بعبارة تناسب المقام فتحولت وردتاها ارجوانتين.

وقلت ما أحببت شيئاً قط حبي الورد وأحب الورد إليّ ذاك الذي كان ينمو حول دارنا فيطل علينا من نوافذنا يحيينا بحمرته ونضرته ونفحته. وإني لأوصي صحابّي وأهل ودي وقرابتي إذا أنا هاج بي الغضب أو ثارت بي لوثة أو جنة أعيت كل مداوية. وأعجزت كل راقية. أن يقربوا من أنفي شيئاً من الريحان تسكن بأذن الله سورتي: وتخمد نار ثورتي. مثلي في ذلك مثل الوحش الذي حدثتنا عنه بعض الصحف في كلمة تحت عنوان رياضة العاديات. وسياسة العاتيات. قالت:

ذلل رائضنا المشهور بحيلته. وأخضع بفضل حذقه ومهارته. أمام جمع حافل من الخلق وحشاً من أفتك الضاريات. فأخرج للمحفل كالغول يكاد يقطع أصفاده. من شدة النشاط والقوة، يخور ويجرجر في تلك السلاسل الوهاجة كما غل الرعد في سلاسل برقة تخال عينيه جمرتين أو شعلتين.

يدير حجاحاه إذا الليل جنه ... شهاب لظي يعشى له المتنور

فأخذ الرائض ورقاً طيب الرائحة فسحقه تحت حوافر الوحش لتذيع رياه ثم جعل ذلك المسحوق في طرف عود وأدناه من خرطوم الوحش فتبدلت في الحال هيئته فاستنشق الطيب بشغف وقوة وحاول أن يمسكه بين شقي حافره. حتى إذا زال الرائض بعمله هذا الريبة من نفس الوحش عقد ريحانة من ذلك الصنف بطرف القضيب وأدناها من الوحش فعملت فيه كالسحر فاغرورقت عيناه بمثل قطرات السحاب وضغط على الريحانة بشفتين رجافتين. ثم وقف بعد ذلك مطمئناً ساكناً ومضى فجلب لرائضه صاعاً من الحنطة ولم يجنح إلى وثب ولا هيج ولا جماح.

أرى بعض الناس يأخذون على الشعراء أنه ليس من شاعر يظهر إلا ويقول في الورد على