للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[النقد]

أرسطو ولطفي السيد بك

نحن نعلم وكل الناس ولا ريب يعلمون، أن العلم الجديد قد نسف جميع آداب القديم. وأن الفلسفة العصرية قد جاءت فهذبت فلسفات اليونان. وإن أرسطو وأفلاطون وتلاميذهما قد اضطجعوا الآن فوق رفوف المكاتب، ولا نهضة لهم إلى الأبد، وأنهم لا يجدون فتيلاً في تهذيب حياة هذا الجيل الذي خرجت فيه عدة من الأذهان القوية التي جمعت في أدمغتها جميع أدمغة الذين جاؤوا قبلها، وإن شوبنهور وسبنسر ونيتشه وروسو وفولتير وستندال وأضرابهم من الفلاسفة المتأخرين قرأوا أرسطو وجميع أدب اليونان وفلسفتهم قبل أن يكتبوا حرفاً واحداً مما وضعوا من الآراء والفلسفات.

هذه قضية لا تحتاج إلى الجدال، ولكن لطفي بك السيد، الذي يجلس في وسط أكثر من مائة ألف مجلد من الكتب الحديثة والقديمة، أبى إلا أن يذهب فينبش عظام رجل ميت رضي بنصيبه من التاريخ ونام إلى الأبد، وأصر على أن يذهب على رفوف كتبه فيسحب أول كتاب من كتب الدنيا ليطلع به إلى آخر ناس وجدوا اليوم على الأرض، ونسي الكتب البديعة التي تحف من حوله والمؤلفين العصريين الذين يطلون عليه من الدواليب، يتلهفون على نظرة منه.

إن ترجمة أرسطو يا سيدي البك أو محاولة ترجمته فقط فضيحة كبرى للعصر الذي نعيش فيه، وسيخرج أرسطو للناس على يديك فيصيح بالقراء. . معذرة أيها السادة. إنني لم أكن أبداً أريد أن أطلع إليكم، ولم أكن أريد أن أفارق أكفاني. ولكن صاحبكم هذا أبى إلا أن يقلقني في ضجعتي، وينتزعني من مكمني لفرجة الناس علي. أنا لا أفيدكم الآن شيئاً يا سادة. لأنني قديم. قديم. جداً. وكنت أهذي في أول عهد الناس بالهذيان فسموني فيلسوفاً. إذن أقفلوني أيها القراء وافتحوا تلاميذي فلاسفة المدينة والنور.