للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[تفاريق]

ثمن السكوت

ليس السكوت كبير القيمة غالي الثمن في الروايات فقط وفي الحكم والأمثال والمواعظ. بل إن كثيراً من أكبر مخترعات الدنيا قد اضطرت الحكومات إلى ابتياعها من أصحابها لكي لا تذيع أسرارها بين الناس.

من ذلك إن حكومة الولايات المتحدة تدفع عشرة آلاف جنيه في كل عام إلى أسرة حقيرة تسمى أسرة فرانكس، وتفصيل الأمر أنه كان منذ عشرين سنة رجل منها يدعى جوستاف فرنكس استطاع أن يخترع طريقة يتمكن بها من إزالة الأثر الذي يتركه خاتم مصلحة البريد على الطوابع الموضوعة فوق الرسائل والخطابات بدون أن يفسد الطوابع نفسها، بل يردها جديدة كأن لم تختم بخاتم البريد، وكان هذا المخترع كافياً لأن يجلب لهذا الرجل أكبر مقدار من الثراء، وكان يكون له مادة واسعة للربح والإغتنام. وذلك بأن يجدد الطوابع المستعملة ثم يعود إلى بيعها، ولكن لحسن حظ الحكومة أنه كان رجلاً أميناً. وكان ثمن أمانته عشرة آلاف جنيه في السنة. وذلك أن الحكومة دفعت إليه هذا المقدار لكي يعدم هذه الأداة التي اخترعها ويظل على سكوته ويبقى صامتاً جامداً على سره، وسيكون هذا المبلغ معاشاً لأولاده من بعده.

وهناك حادث شبيه بهذا جرى للحكومة الإنكليزية وذلك أن رجلاً يدعى بلدوين طلب منذ سنين أن يجتمع بمدير بنك إنجلترة فلما أدخل عليه قدم له ورقتين من الأوراق المالية متفقتي الشكل، متماثلتي الصورة، وأنبأه بأن البنك لم يصرفهما خطأ ولكنه هو الذي اخترع آلة تستطيع أن تقشر من الورقة المالية ورقة مثلها على الرغم من ضعف سمكها المتناهي فيكون من ذلك ورقتان ماليتان متشابهتان أتم الشبه، فلم يسع مدير البنك إلا أن يشتري السر منه، ولم يخرج الرجل من حجرة المدير إلا مالياً متمولاً من كبار الأغنياء.

ومنذ عشرين ستة استطاع كيماوي يدعى سويريدج أن يخترع مفرقعاً أسماه الفولمنيت، استطاع به أن يمد مسافة مرمى المدفع إلى نحو خمسة أميال، ولكن الحكومة الإنكليزية لم تشتر منه المخترع، لأنها لم تكن تفكر يومذاك في فائدته، وقد حاولت ألمانيا أن تشتري من الرجل سره بأي مبلغ من المال يطلب، ولكنه ظل على رفضه، وشاءت الأقدار إلا أن