للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شذرات من كتاب حديث المائدة]

حديث المائدة كتاب جليل. وسفر نبيل. لواضعه أوليفار وندلهولمز الأمريكاني من فحول شعراء الطبقة الأولى وكتابهم وجملة علمائهم وفلاسفتهم. قد جمع بين العلوم والآداب على قلة الجامعين بينهما فأشبه في ذلك جيتا الألمانى وفولتير الفرنسي وراسكين الإنكليزي. وكتابه حديث المائدة من أملح المؤلفات نادرة وأبدعهم طرفة وأغربهم أسلوباً قد طبعه على غرار لم يسبق إليه ونسجه على منوال لم ير في عالم التأليف من قبل. وذلك أنه تخيل ربة نزل قد اجتمع عندها في حين من الدهر زمرة من الناس أشكالاً وأصنافاً فيهم الشاعر والأديب الفلكي والحشري (عالم الحشرات) والطبيب والماليّ والعاطل الذي لا عمل له والقسيس وفيهم كذلك نساء مختلفات الأحوال والأشكال الفتاة والعجوز والقبيحة والمليحة واللينة والشكسة. وإن جميع هؤلاء يجتمعون كل صباح على مائدة الإفطار فتجرى بينهم أحاديث فهذه الأحاديث قد جمعها الكاتب وسردها في ذلك الكتاب الذي سماه حديث المائدة. هذا ما تخيله الكاتب وهو خيال بديع وأسلوب مخترع ولقد أجاد في هذه الأحاديث ما شاء فجاءت كأنها السحر أو أدق. في ألفاظ تخالها الماء أو أرق. ولما كانت تدور حسب تخيله بين أناس من كل شكل وصنف وحرفة وصناعة فلا جرم أن حوت كل نوع من الكلام وكل ضرب من الفن كأنها حديقة ضمنت فنون الثمر ألواناً. وأنواع الزهر نرجساً وحوذاناً. وضروب الطير مثني ووحداناً. ولا جرم أن سميناه دائرة معارف لا سفراً. وقد رأينا أن لا يحرم قراء البيان من مؤلف كهذا فشرعنا نعرب لهم أطيب ما فيه وها هي نخبة من ذلك نطرحها الآن بين أيديهم.

(١)

الحديث

مازال ذوو القرائح السمحة والخواطر الحافلة والأذهان الخصيبة ينفرون كل النفور من ذوى الجمود ممن قد تمسكوا بطائفة من الآراء جعلوها القواعد التي لا يشذون قط عنها مهما كانت الأسباب والدواعي حتى لكأنما الآراء والإنكار شيء مقيس محدود كنظريات الهندسة والجبر والحساب - كأن كل رأي في الدنيا هو كقولك ٢ ٢=٤ والخطان المتوازيان لا يلتقيان أبداً - مع أن الآراء والأفكار لا تخلو قط من عناصر الوهم والتمويه