للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رسائل في علم الفلك]

الرسالة الأولى

الفلك عند الأقدمين

علم الفلك هو العلم الذي يبحث في العالم السماوي وما فيه، كالشمس والقمر والنجوم والكواكب، وكل ما يتعلق بهذه الأجرام كحركتها وأحجامها وأبعادها وكسوفها وخسوفها، والوظيفة التي يؤديها كل منها في هذا النظام المحكم الدقيق.

وينماز الفلك عن سائر العلوم الطبيعية، بأنه بحث في أشياء هي فوق متناولنا فلا يستطيع المرء أن يصل إليها فيعلم منها ما جهل، ولا أن يحصل على أجزاء منها ليختبرها ويمتحنها فتعينه على الاستنباط والاستنتاج. ومعلوم أن هذه الأجرام هي أبدية بالنسبة إلى آجال الباحثين فيها وأعمارهم. ولهذا العلم فضل المتقدم هو أنه الذي حدا بالإنسان - وهو في طفولته الأولى - على أن ينعم النظر في السماء وما حوت، ويجتهد في أن يحلل ما يراه من ترتيبها ونظامها ويعلل ما يشاهد من سيرها وحركاتها، حتى وجدت فيه ملكة الملاحظة وقوة التفكير وأمكنه الوصول بعقله فحسب إلى نتائج دونها عقبات حتى تكاد تكون فوق طاقة البشر.

وإنا لا ندري متى ابتدأ علم الفلك، فقد أتى عليه ولا مراء حين من الدهر كان في حيز العدم. ولكن هذا الوقت وراء التاريخ، ليس ثم من يعرفه على التحقيق. وحسبنا دليلاً على مقدار قدمه، وبعد عهده، أن أجدادنا الأقدمين - الذين عاشوا آلاف السنين قبل المسيح عليه السلام - خطوا فيه خطوات واسعات، ونهضوا به نهضة حفظ لهم الدهر ذكراها على مر السنين وتتابع الدهور. حتى أن من بين الأقاويل التي تحوم حول أهرامهم الخالدة، ما يؤيد أنها شيدت بناء على مشاهدات فلكية صحيحة ودقيقة. ثم تلقنه اليونان عن المصريين، فأعاروه جانباً عظيماً من اهتمامهم، ووسعوا نطاقه، وأحدثوا فيه أشياء كثيرة. . ومما يروى أيضاً أن للهينيين آثاراً فيه منذ القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد، وللهنود علم به قبل هذا التاريخ، وأن قساوسة بابل قد ضربوا فيه بسهم حوال ذلك العهد.

على أن أقدم المشاهدات الفلكية التي يوثق بصدق روايتها حدثت في القرن الثامن قبل الميلاد.