للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مستقبل الإنسانية]

كيف يسود السلام العام

أيمكن أن يسود السلام في العالم وكيف يسود ومن ذا يكفله؟. . . . تلك هي الأسئلة العظيمة الشأن اليوم المقلقة لأذهان المصلحين والفلاسفة والسلميين المزعجة لكل قلب يحس فوق هذه الأرض بعد أن أصبح المقتنعون بفظاعة الحرب ونكرها وأهوالها وويلاتها المتلهفون على إزهاق روح الحروب وقتل سيطرتها الراغبون في تنظيم أمور الحياة على وجه لا يعود بعده على مسرح العالم ما يجري اليوم من الشدائد والأهوال والعذاب والآلام والقتل والفتك والتخريب والتدمير - نعم بعد أن أصبح هؤلاء جمهوراً عظيماً لم تشهد الإنسانية ضريبه في جميع ماضيها الحربي المخيف ولئن كان هذا الجمهور العظيم وهو يكاد يكون السواد الأعظم من أمم العالم كلها يريد أن يستتب السلام في الأرض آخر الدهر ويستقيم إلا أن الرغبة شيء وتحقيق الرغبة شيء آخر ولكن تحقيقاً لهذا لرغبة كهذه يتطلب إرادة عامة تشمل كل إنسان في العالم وتعم إذا كان يراد أن يسود السلام في الإنسانية إلى الأبد إذ لو كان الراغبون في السلم تسعة وتسعين من المائة فاعلم أن الرجل الواحد الخارج عن هذه الرغبة سيتابع ولا ريب تسليحه واستعداده فيشعل بعد ذلك يوماً جذوة الحرب ويثير سعيرها وأنتم تعلمون أن النكبة الرهيبة الحاضرة كانت نتاج تسليح عام مستمر لبث يجري مطرداً على نظام دقيق ممهد عجيب ومهارة عظيمة ودأب كبير طويل أربعين حولاً أو تزيد ومن ثم فلا يمكن أن نرتقب سلاماً عاماً إلا بإضراب عن التسليح يكون أشد من ذلك التسليح مهارة ودأباً ودقة ونظاماً فما هي إذن الوسائل التي تمكننا من نشر السلام العام في ربوع الأرض وإغلاق سجل الحرب إلى الأبد؟؟

وقبل أن نجيب عن هذا السؤال يجب أن نشرح للقراء العوامل النفسية الغريبة التي تثير الحرب عادة والعوامل النفسية التي تجنح بالناس إلى السلم والرغبة في تسويدها.

يقول الأستاذ ويلز وهو من أكبر كتاب الإنكليز اليوم وأعمقهم تفكيراً وأصفاهم ذهناً من أكبر الاشتراكيين العصريين إن في كل إنسان منا روحاً من الاحتجاج والاستنكار للحرب وأكثرنا على وجه من الإجمال يريد السلم ويطلب إبطال الحروب ولكن ليس فينا فرد واحد قد خلا من نزعة حربية مختفية من تضاعيف نفسه محتجبة في أعماق وجدانه - نزعة