للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[النقد والتقريظ]

حديث القمر

نوهنا في غير هذا الموضع من البيان بكتاب حديث القمر لشاعرنا وأديبنا الكبير السيد مصطفى صادق الرافعي ونشرنا هناك مقدمته البليغة ونبذة من الفصل الأول منه. وقد صدر الكتاب مفصلاً إلى تسعة فصول ضافية في نيف وسبعين ومائة صفحة ونبه صاحبه على ظاهره أنه كتبه على نمط خاص من الكتابة العربية يجعل طالب الإنشاء بإدمان قراءته وتأمله منشئاً إذ يربي فيه ملكة التخيل الصحيح التي هي أساس البلاغة ولا بلاغة بدونها.

ونحن نقول أننا تناولنا هذا الكتاب فما زلنا حتى فرغنا منه ونظن أن القراءة على اختلاف أذواقهم سيجدون من ذلك ما وجدنا فإن الكتاب جذاب يأخذ بمجامع القلوب ويستهويها بما فيه من الأساليب الشعرية العالية والتصورات المبتكرة المونقة والمعاني الفلسفية الراقية التي تدور كلها على ما يضرب له القلب الإنساني كوصف الجمال وتحليله كل في مظاهره من الإنسان والطبيعة والعواطف ونحوها والقول في أمهات المسائل الاجتماعية الكبرى كالسعادة والفقر وآلام الحياة وأحزانها وما إليها ثم التبسط على وجه بديع في مسئلة المسائل الإنسانية التي طرفاها الإيمان والإلحاد. وكل ذلك وما تخلله مما اقتضاه سياق الكلام يجري على طريقة امتزج فيها الشعر بالفلسفة الحكيمة والجد بالتهكم الرقيق في صفاء من اللغة واطراد من التعبير وجزالة من الأسلوب إلى دقة في الوصف. وإبداع في الرصف. وما شئت مما يجعل الكتاب نسيج وحده، ويدني به النفس إلى غاية الكمال وحده.

وقد كشف لنا الرافعي بكتابه هذا عن حقيقة كانت هي السر في خيبة كثير من شبابنا الذين يطلبون وجوه الإجادة في الإنشاء ويبتغون لذلك الوسائل ثم لا يستطيعون لأنهم يعتمدون على حفظ بعض الرسائل والجمل اللغوية والنبذ المختارة من المنظوم والمنثور وهي لا تعطيهم أكثر من المادة الفظية التي هي صنعة اللسان والتي ليس من شأنها أن توجد المعاني وإنما توجدها المعاني ويهملون صنعة الفكر والتخيل التي عي الأصل في الإنشاء لأنها صنعة استنباط المعاني وتصويرها على ما تحس بها النفس فلا يكون من ذلك إلا أنهم ينتهون حيث يبتدئون ويعودون من آخر الطريق وكأنهم لما يبرحوا أولها ولا نعرف أحداً