للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أحداث الشهر]

النكبة الأهلية الكبرى

من أكبر أحداث هذا الشهر أكتوبر في مصر، نازلة ألمت بساحة هذا البلد فأدمت القلوب، وسحت لها العيون، وعم الأسى الأرواح، وحد عليها عالم الأدب، وعطل العالم النسوى من أكبر فخره وأروع حليته، وأنهد ركن من النهضة الأدبية التي نحن بسبيلها، وفقد عالم التفكير علماً خفاقاً من أعلامه، وخسر طلاب التهذيب والدعاة إلى الإصلاح والواثبون إلى ترقية الأسرة المصرية والسمو بها إلى التربية الحديثة القويمة، عنصراً من ألزم العناصر لرقي الأسرة، وهادياً من أسمى الهداة إلى السنن الصالح، والتهذيب المنشود، ذلك أن اغتالت المنون سيدة من كرائم الكاتبات، وزوجاً من خيرة الأزواج، وابنة رجل من مشيخة الأدب، وأهل الأسماء النبيلة، والذكر الرفيع، والعمل الصالح، فلم يبق في مصر إنسان فتح في حياته صفحات كتاب، ولا رجل أدرك شيئاً من تاريخ النهضة الحديثة، ولا زوج عرف فضل الزوجة الكريمة المهذبة، ولا أب اعتز بفلذات كبده، وازدهى بكرائم بناته، إلا جزع للنبأ، وطار لبه للمصاب، فبكى العلماء والأدباء والمتأدبون وعامة القراء في أثر تلك الراحلة الكريمة، إذ فقدوا أدباً رائعاً، وتفكيراً طلياً طريفاً، وخواطر عليها أثر الإخلاص والنبل والسمو الذهني، وابتأس الأزواج إذ غاب عن حياة الأسرة المصرية المثل الأعلى للزوجة، والقدوة الحسنة لحياة العشيرة، واذكروا مصاب زوج أسيف كان عزيزاً بتلك النعمة العظيمة، فخوراً مغتبطاً بتلك النفيسة الغالية، وتقطعت أكباد الآباء، وزفرت زفرات الشيوخ، إذ انتهى إليهم جزع أب كان خير الآباء لخير البنات، وكان بكنزه العظيم عزيز الجانب، وكان بتلك السيدة الممتعة الأدب، المستضيئة الخاطر فرحاً قرير العين.

تلكم هي المرحومة ملك ناصف، باحثة البادية، التي لها الشأو البعيد في الأدب، والسهم الأكبر من البحث، والنصيب الأجزل من الفلسفة العصرية، والخواطر الجميلة المهذبة، سيدة هي فخر نسائنا، وكاتبة في طليعة أديباتنا، أخذت الذكاء والفضل مطبوعاً، وجرى في غريزتها من أبيها حفني ناصف، الشاعر الحلو الأغاريد، الفكه القريض، الجم الأدب، فتجلى فيها أدبها الخصيب، وذكاؤها المفرط، غريباً شاذاً نادراً آية عجب ودهشة، في وسط عالم نسائي ما فيه إلا معجبة بسوارها، مزهوة بأقراطها، ومزركشة بأثوابها، وحرائر