للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

معاطفها وإلا من برزة خلت من خفر وحياء فأخذت الظهور في عالم الأدب مصيدة، وبدت بين الكتاب والكاتبات لتتم لها الأحبولة، وادعت العلم وتكلفت التفكير، ولا تفكير ولا علم إلا بأمور نسائيتها وسخفها، ولذلك كان رحيل سيدة فضلة وكاتبة بليغة ومفكرة رائعة التفكير، أوقع في النفس من وفاة رجال عديدين من النافعين، وطائفة من العظماء الكبار الأذهان، لأننا نستطيع عن الرجال تأسياً، ولهم بديلاً وإضراباً، ولكن فقد كاتبة نحن في أشد الحاجة إلى قلمها وذهنها وروحها السامية أبلغ أثراً من ذلك وأعظم وقعاً، إذ هيهات أن تجود الأقدار بمثلها، وهيهات أن يخرج العالم النسائي في مصر ضريبة لها إلا على فترة من القرون وهون من الأجيال، وإذا كانت الطبيعة تضن على الدنيا بالعظيم فتدع بينه وبين التالي له صفحات خالية في سجل الدهر ولا تخرجه إلا بعد أن تعد له العدة من الظروف والوسط والزمن، فهي لا تزال أضن بالعبقريات، وأبخل بالسيدات العظيمات، لأن العظمة عنصر غريب لا يوافق النساء، والعبقريات منحة لا تزين الغانيات، ولكن الأقدار تتخير المرأة التي تصلح لغرضها الذي تريده القوة الإلهية فتحبوها بكل الألوان والمستلزمات التي تطلبها العظمة والعبقرية، ولذلك كانت السيدة التي يؤتيها الله تلك الهبة أروع من الرجل الذي قد يمنحها، ولو أنت أردت أن تحصي عدد النساء العظيمات في تاريخ أمة من الأمم، لما أعجزك الإحصاء، ولا شرفن عليك من خلل القرون والأجيال، فإذا هن قلائل وإذا بك ترى بين كل منهن والتالية لها زمناً طويلاً، وعهداً بعيداً.

فكيف عمركم الله نستطيع صبراً على نكبة أهلية كهذه غمت حياة الشعب جميعاً، وتناولت أهم فروع عيشنا فنزلت بها، ولكنا خلقاء بأن نتجمل بالصبر، طوعاً أو كرهاً، ونسوق العزاء إلى الثاكل الذي دمي فؤاده من أثر نكبته، ذلك الشيخ الجليل، والأديب الممتع العذب المحضر، وإلى الزوج الأسيف المحزون، الذي ألم به هذا المصاب العظيم، فكان منه ذا أثرين، وهد منه ركنين، إذ فقد زوجه الصالحة، وربة بيته العامر، وكان من هذه الناحية زوجاً، ثم خسر ضوء ذلك الكوكب الذي كان متسامياً في أفق الأدب والتفكير، وكان من هذه الوجهة أديباً متعلماً مهذباً، ولكن حسب ذلك الزوج الكريم، عبد الستار بك الباسل فخراً أن زوجه ستروح وإن غابت عن حياة هذه الأرض، في القلوب، وذكرها في الأسماع، وطيب أحدوثتها في الأفواه، وإن الله قد أراد لها نعمة الخلود.