للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[ابن زيدون]

أو صفحة من مجالى الأنس في ليالي الأندلس

هذه هي المحاضرة الجلية التي ألقاها سعادة العالم البحاثة الثقة أحمد زكي باشا سكرتير مجلس النظار في نادي موظفي الحكومة بالاسكندرية - وقد أتحف بها سعادته مجلة البان فنشكر لسعادته الشكر كله طرفة غالية ستعيها إن شاء الله أذن صاغية

١

تمهيد

قلبي بأندلس مدله وعقلي بأطلاله موله. وهيامي بأهليه حديث قديم، وغرامي بساكنيه مقعد مقيم. وحنيني إليه يحبب لي فيه الأسى والحنين.

فلا غرو إذا كنت أتصيد الفرص السوانح ولا عجب إذا كنت أتقنص الشوارد والبوارح، لأترنم بذكرى المحبوب. فإن الذكرى بلسم القلوب.

أفليس المصدور يروح نفسه بنفثه؟ وهل يلام المستهام إذا تحين خلسة لبثة؟ فاعذروني على هذا الهوى العذري! فقد خانني شعري ولم يساعدني نثري على أنني أعلل نفسي بأن تستمعوا لهمسي وتعاونوني على إحياء أندلسي فذلك الهوس هوسي قد لازمني في حلمي وفي حسي واستمكن من عقلي واستولى على نفسي فهل أحظى بشارقة يكون بها أنسى قبل أن أدخل في رمسي.

ناشدتكم الله أن تسمحوا لهذه الزفرات أن تتصاعد على مسمع منكم! وأن تبيحوا لهذه العبرات أن تتحدر على مشهد منكم! فلعلي أجد في هذا الأنين راحة مما يجده قلبي الحزين! ولعلي أتوصل لإيصال صورتي إلى أعماق قلوب الحاضرين ولإرسال صداء إلى غاية مداه بين الغائبين! ولعلي ولعلني. ولعلني أرى الكثيرين من أبناء أمتي يشاركونني في صبابتي ولوعتي! فو الله أن الشرك في مثل هذا الغرام ليس فيه شيء من الحرام لا في شرع الهوى ولا في شرع النهي، ولا في شرع الهدى، فكل شرك مذموم: اللهم إلا ما كان فيه تعاون على البر والتقوى. وليت شعري أي تعاون أفضل من وضع الأيدي ومن توازر العقول بالعقول ومن تجاذب الأرواح إلى الأرواح للتناصر على إحياء كلمة الأدب بين العرب حتى يزدان هذا العصر الجديد بما كان للشرق من فخر قديم ومجد تليد.