للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مختارات]

من حديقة اببقور

للكاتب الروائي الفرنسي الخالد أناتول فرانس

القراءة والتمثيل

لا أظن من الحتم اللازم الذي ليس عنه معدل أن انتظام سمط اثني عشر مائة شخص لسماع رواية يكوّن جماعة ملهمة بالحكمة التي لا يتسور عليها الخطأ ولا يمس أنحاءها النقص - بيد أن الجمهور - كما يبدو لي - يحمل معه إلى المرسح بساطة القلب واخلاص العقل وهذان يمنحان قيمة خاصة للمشاعر التي نعالجها هناك وكثيرون ممن لا يستطيعون أن يكوّنوا لأنفسهم فكرة أو يصدروا لها حكماً عما قرأوه؟ في وسعهم أن يذكروا ملخصاً حسناً دقيقاً لما عرض على نواظرهم في المسرح، وإنك قد تمر الكتاب مراً عند قراءته وقد تقرأه إذا شئت بإمعان وروية وترجع فيه الفكر وتقلب النظر وإن الكتاب يترك كل شيء للخيال ولذا فإن العقول المجدبة والأذهان العادية لا تجد إلا لذة ضعيفة فاترة قليلة الآثر في الكتب، والمرسح على خلاف ذلك فهو يضع كل شيء إزاء العين فهو غني بنفسه عن كل مساعدة وتعضيد من الخيال ولهذا السلبب لا يكلف بد ذووا العقول المفكرة والخواطر الخطارة المتأملة لأن هؤلاء يقدرون الفكرة ويزنون الموقف بما يمده في نفوسهم من آفاق التفكير وما يفسحه من أطراف التأمل وبقدر ما يثيره من أصداء الانغام التي تطن في عقولهم وتتجاوب في أذهانهم، وأما في المسرح فإن قوة خيالهم تظل معطلة مقيدة وهم يجدون فيه سرورا منفعلاً يؤثرون عليه سرور القراءة الفعال - وما هو الكتاب؟ أليس هو سلاسل متصلة من علامات صغيرة مطبوعة؟ أليس هو كذلك في الأصل والجوهر؟ وإنه على القارئ أن يجلب لنفسه الصور ويلتقيها ويتخير الألوان والاحساسات والعواطف التي تناسب هذه العلامات وسيتوقف عليه إن كان الكتاب فاتراً كليلاً أو بارعاً حاراً متوقداً بحرارة النوازع والوجدانات أو هامداً بارد كالثلج أو إذا فضلت أن أذكر ذلك في صورة أخرى - كل كلمة من كلمات الكتاب بنان مسحور يحرك في ألياف ذهننا ويهزها ويرعشها كما تهتز وتر المزهر وهو يثير النغم في تجويفه أرواحنا، وليست مادة الأمر وأكبر ما فيه متوقفة على مهارة الفني ومكانة من الاستاذية ومقدرته على استنزال الوحي فإن الصوت