للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أفكار بليدة]

لمفكر بليد في أوقات بليدة

للكاتب الفكاهي البديع جروم. ك. جروم

ضيق الصدر

لا بأس على امرئ من الكآبة والأسى بل ربما وجد الأنسان شفاء غلته وبرئ علته في الاسترسال في الحزن والاستسلام إلى الشجى، وقد ما قال الشاعر:

وان شفائي عبرة مهراقة

وقال الآخر:

لعل انسجام الدمع يعقب فرجة

وطالما لذني وطاب لي أن أهجر عمداً مجالس الطرب ومحافل الأُنس وأنتبذ المكان المنعزل القصى لأخلو إلى أحزاني وأشجاني أستجيها من مكامن الخيال أو استثيرها من مدافن الذكرى طرباً إلى ذلك مرتاحاً.

فأما ضيق الصدر - ذلك الذي يعتري الإنسان فجاة بلا سبب ظاهرة ولا علة مفهومة - فذلك هو الداء العياء والبلاء الأعظم. بيد إنه الداء يسلم منه أحد ولا يفلت منه إنسان. وأعجب ما فيه أنك لا تعلم أصله ولا فصله ولا سببه ولا مصدره، فأنت خليق أن تصاب به عقب استيلائك على ميراث هائل أو عقب فقدانك (علبة سجائرك) في القهوة أو نسيانك (شمسيتك) في القطار وتأثير هذا الداء (أعني ضيق الصدر) فيك شديد فتاك أشبه شئ بمجموعة تأثيرات أوجاع الضرس والمغص والصداع - إذ تصير قلقاً مهتاجاً فظاً مع الأجانب خطراً على الصحب والأقارب شرساً شكساً صخوباً غضوباً - بلاء على نفسك وعلى كل من حولك.

وأنت ما دمت واقعاً تحت تأثيره فلا قبل لك بمحاولة أي عمل أو تفكير في أي شيئ، وإن أحسست أثناء ذلك بضرورة القيام بعمل ما لا تدري ما هو ولكن تشعر بضرورته وإذ كنت بناءً على هذا لا تستطيع أن تظل ساكناً ساكتاً فإنك لا تلبث أن تلبس قلنسوتك وتأخذ عصاك فتبرح المزل للفسحة. ولكنك لا تكاد تسير بضع خطوات حتى تندم على ما كان من خروجك وتعود إلى غرفتك. وهناك تحاول تفريج همك بالقراءة فتنظر في (شاكسبير)