للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[باب العلم]

علوم الاجتماع والأخلاق

١

الشخصية والأخلاق

للكاتب الأمريكي الأكبر رالف والدو امرسن

عربها عن الانكليزية المازني

قرأت في بعض الكتب أن الذين كانوا يستمعون إلى خطب اللورد شَتَام كانوا يجدون في الرجل ما هو أشد خلابة من منطقه. ولقد أخذ بعض النقاد على مؤلف تاريخ الثورة الفرنسية أن كل ما ذكره عن ميرابو لا يكفي للحكم على فحولته وعندي أن أبطال بلوتارك (فلوطرخس) لا تتكافأ شهرتهم ومآثرهم ولم يأت السير فيليب سيدني والإِرل ساسكس والسير ولتر رالى عظيماً ولكنهم مع ذلك من ذوي النباهة والصيت ولو شاء أحد أن يستطلع السر في عظمة واشنجتون من تاريخ أعماله لخاب مسعاه. أضف إلى ذلك أن اسم شيلر أكبر من مؤلفاته. فما معنى ذلك التفاوت بين العمل والشهرة. وهل يكفي في التماس العلة لذلك أن يقال صدى الرعد أطول من الرعد كلا. بل أن في نفس العظيم قوة تبعث طول الأمل فيه وحسن الثقة به. وجل هذه القوة كامن كمون النار في العود وهذا هو ما نسميه الشخصية - فهي قوة في النفس لا تحتاج إلى واسطة وسر من أخفى الأسرار وأغمضها أو هي شيطان ينزع المرء عن قوسه ويأتم بهديه يأتنس به في وحدته ويسكن إليه في خلوته فلا تكاد ترى ذا الشخصية إلا منفرداً بنفسه خالياً بشيطانه يؤثر العزلة ويستأنس بالوحشة. وترى صاحب الأدب البارع آنا يعلو وآونة يسفل ولكن عظمة الشخصية لا تتضاءل ولا تصغر وذو الشخصية يبلغ بفضلها حيث لا تبلغ الهمم والمواهب والبلاغة. يسبق الناس قاعداً ويفوتهم متمهلاً ويستولي على الأمد باهلاً ويحرز النصر لا باشتجار الأسنة ولكن بإظهار سبقه وعظمته ويفوز لأن وجوده يقلب وجه الأمور ويغير مجرى الحوادث. سئل أيولى يوماً كيف عرفت أن هيركيوليز إله؟ فقال: نظرت إليه فكانت تلك النظرة حسبي فلما أبصرت (ثسيير) وددت أن أراه في مواقف القتال وقد تنازل الفرسان وتصادم الأبطال ولكن هيركيوليز كان يبهر الناس قائماً وقاعداً ويظفر برغائبه