للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على الرغم من أنف الزمان. يرى القارئ مما تقدم أن الإنسان - وهو في العادة رهن الحوادث لا تكاد تجمعه بالعالم الذي يعيش فيه ماسكة جامعة أو شابكة صلة - في مثل هذه الظروف يساهم الأشياء حياتها ويقاسم الطبيعة روحها ويكون مثالا لتلك النواميس التي تعنو لها الشمس ويذعن لها البحر وتخضع الأعداد والكميات.

ومالنا لا نضرب الأمثلة بما هو أقرب منالاً. أعني الانتخابات السياسية التي لا تخلو منها أمة ضربت في المدينة بسهم. فإن الناس ليعلمون أنهم متفرقون إلى رجال جمعوا إلى الذكاء قوة تجعل الناس يطمئنون إلى ذكائهم ويركنون إلى مواهبهم وليس بنافعهم أن يرسلوا إلى مؤتمرهم خطيباً وأرى الزند بعيد الأمد بسيط اللسان مشرق ديباجة البيان إذا كان الله سبحانه لم يختره لتأييد حقيقة ما قبل أن يختاره الناس لينوب عنهم - حقيقة هي في تقديره اليقين الصابح الذي لا مراء فيه ولا ريب. فإذا وجدوا ضالتهم أرسلوه لينوب عنهم ويمثلهم ولا حاجة به إلى سؤال منتخبيه عما يرون لأنه هو الأمة التي ينوب عنها وهي التي تصير إلى ما يرتأى لها وتصدر عن مورد رأيه ومشرع فكره.

وتظهر هذه القوة أيضاً في التجارة فإن فيها نوابغ وفحولاً كما في الحرب والسياسة والأدب. وليس من سبب لفوز هذا أو ذاك بنجح أمانيه وفلج مساعيه سوى ما وهبه الله من قوة النفس وعظم الشخصية وهذا كل ما نعرف وغاية ما وصل إليه علمنا. وحسب الناظر أن يسرّح في وجهه طرفه ليقف على سر نجاحه وعلة رفعته وهل سمعت أن أحداً تأمل وجه نابليون فلم يبصر فيه شاهداً من خبره وأني ليخيل لي إذ تأخذ عيني تاجراً بالطبع أن الطبيعة قد كفته الاهتمام بشأنه والعناية بأمره وأنه ليس تاجراً يبيع ويشرى وإنما عامل لها استوزرته على التجارة - وأذكر (التاجر بالطبع) فأراه بعين الظن جالساً في غرفته وعلى وجهه دلائل الكد وآثار الجهد وهو يحاول أن يبسط ما انزوى من بين عينيه وأرى كذلك أي عظيمة أقدم عليها في يومه وصعبة راضها بقوة ثباته ومضاء عزمه وكم قال لا غير هيّاب ولا وجل على حين دفع غيره نحس الطالع ونكد الجد فقالوا نعم وكأني به يعرف أنه لا واحد له وإن المرء إذا لم يخلق تاجراً فلن يلقنه التجارة أحد.

ولقوي النفس شديد الشخصية سلطان على من كان ضعيفاً كسلطان النوم إذا دب في الأجفان ثنى الرؤوس وأمال الأعناق ولعلّ هذا هو قانون الطبيعة العام فإن العالي إذا