للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الروايات والقصص]

صريع الكاس

للكاتب الروائي الأشهر تشارلزد كنز

عربها إبراهيم عبد القادر المازني الأستاذ بالمدرسة الخديوية

ليس بين من يسيرون في شوارع لدره المزدحمه من لا يذكر أنه راى في بعض مغاديه أناساً تقتحمهم العين وتنبو عن منظرهم الأحداق لسوء متوسمهم وقبح هيئتهم كانوا فيما خلا من الأيام يرفلون في برود النعيم ويخطرون في مطارف السعادة ثم ما زال بهم الدهر يتخونهم ويسقط من جاههم ويخفض من حالهم حتى ألقاهم في مراغة الفقير وحمأة الهوان فلو رأيت أحدهم للعج فؤادك ما صار إليه من رقة الحال وخساسة المنزلة ومن ذا الذي تقلب بين الناس وحاضر طبقاتهم وتخلل دهماءهم فلم يعرف في بائس من هؤلاء إذ يمر به في سمل رث وقد شفه المرض وأضوته الفاقة ذلك التاجر السرى أو الوجيه الأغر ومن من الفراء لا يعرف من بين معارفه واحداً أوضعه الدهر وضعضعته الأيام فلصق بالتراب من الفقر ولصقت بطنه بظهره من الجوع وباعده من كان يمنحه الود والدهر مقبل ونفر منه الناس جميعاً.

ألا أن ذلك كثير الوقوع وعندي أن علة ذلك الولع بالشراب - تلك الشهوة الشديدة التي تحمل المرء على حتفه وتسوقه إلى حمامه وتختم على قلبه وتضرب على سمعه فيطرح زوجه وبنيه وصاحبه وعشيره وسعادته ومنزلته ويندفع في طريق الخراب والذل والموت. ومن هؤلاء من بلغت المحنة مجهوده وملكت عليه مذاهبه فتدلى إلى الاثموواقعه حتى صار إلى مثل ما وصفنا من ضعة الشأن وحقارة القدر فقد تحول ضروف الليالي بين المرء وما يؤمل أو ينزل الحمام بمن تيمه وذهب بفؤاده فتتقطع نفسه حسرات وتتصدع زفرات ويخونه الصبر ويسلمه الجلد فيختلط عقله. ويجن جنونه. ولكن جل هؤلاء قد عاقروا الخمر مختارين وطرحوا نفوسهم مفتوحي العيون في تلك الهوة التي لا ينجو منها أحد ولا يزال المرء فيها يهوى حتى تعز النجاة ويستحيل الخلاص.

ولقد وقف مرة واحد من هذا الصنف بإزاء زوجته وقد أظلها الحمام وبلغت روحها التراقي وكان حولها بنوها يبكون وقد اختلطت دعواتهم بزفراتهم وصلاتهم بعويلهم وكانت الغرفة