وصف الحيي - الفرق بين الحياء والخجل - تأثير الحياء في الإدراك والإحساس والحركة - تحليل الحياء تحليلاً بسيكولوجياً - الاحتفاظ بالكرامة - دقة الشعور - الحياء ليس بحالة نفسية مستمرة - وصف نوبة الحياء - هل الحياء فضيلة أم رذيلة - حب الحيي للكمال - الشفاء من الحياء
يرى الناظر في أحوال الناس وما يبدو عليهم من آثار الغرائز والملكات امرئ عليه سيماء الجد والوقار ومخايل الاحتشام والانقباض، يميل إلى العزلة وينفر من رؤية الناس فإذا اجتمع بأحد ولو كان من الذين طابت نفوسهم وزكت أرواحهم وتجملوا برقة الحاشية ولطف الجانب ألم به شيء من الوجل والقلق وضرب من الخوف والاضطراب بلا سبب معقول يدعو إلى استثارة هذه الحالات النفسية من مكامنها.
وإذا ضمه مجلس حافل ظل مطرقاً صامتاً لا يستطيع أن يزج بنفسه في غمار الحديث الذي يتجاذب الحضور أطرافه، تتولد الآراء السديدة في ذهنه ولكنه يبقى معقول اللسان لا يستطيع إلى إرسال الكلام سبيلاً. يريد النهوض والانصراف ولكنه لا يبرح قاعداً متململاً كأنما قد سمر إلى كرسيه أو كأن قدميه جمدتا فلا تستطيعان حمله.
فهذا المرء من المصابين بخلق الحياء، فالحياء هو الخوف من الناس وهو غير الخجل الذي هو شعور المرء بعار يلحقه منم جراء إتيانه فعلة ينكرها العرف.
وللحياء أسوأ الآثار على قوى النفس الثلاثة فيعدو عليها ويعرقل سيرها ويعطل وظائفها تعطيلاً، وبيان ذلك أنه يؤثر على إدراك المصاب فيجعله بطيئاً عاجزاً عن التفكير العميق والمضي مع سلسلة طويلة من المقدمات والنتائج. وإذا بوغت بقول تجده قد غص بريقه وتعذر عليه استحضار الجواب السديد في وقته حتى إذا خلا بنفسه تفجرت لديه ينابيع الأفكار وألفى مجال القول والأخذ والرد بعيد المدى متسع الجوانب جم المسالك والمذاهب.
ويؤثر الحياء على إحساس المصاب به فيجعله خليطاً مشوشاً من العواطف والمشاعر والانفعالات المتضاربة المتناقضة فلا يكاد يولد في سويداء نفسه إحساس حتى يزول سراعاً ليحل محله وهيهات أن يستقر على حال من القلق فما أسرع تقلب الحيي بين الحب والبغض والرضا والسخط، وما أقرب نقلته من الرجاء إلى اليأس ومن الفرح إلى الحزن. وإذا لقي في بعض المواقف ما يعد إهانة لم تتحرك في نفسه شهوة الغضب ولا تثور