للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[كتاب الانحطاط]

للكاتب ماكس نوردو الفيلسوف الهدامة البديع كتاب سماه الانحطاط بحث فيه على طريقته المعروفة عن أسباب الانحطاط السائد على العالم اليوم وبخاصة أوروبا، وعن مظاهره ونتاجه، ولعل القراء يذكرون أنا نقلنا إلى العربية كثيراً من آراء هذا الرجل، واخترنا له مذ السنة الأولى من كتابه الغرائب وأكاذيب المدنية الحاضرة وكتاب الانحطاط هذا واليوم نلخص لهم آخر فصل من كتاب الانحطاط وهو الذي عقده للبحث عن انحطاط أوروبا ومصير هذا الانحطاط قال:

أصيبت أوروبا في هذه العصور الأخيرة بالمرض النفساني أو العقلي الذي اصطلح علماء البسيكولوجيا والباثولوجيا (علماء النفس وعلماء الأمراض) على تسميته بالانحطاط، وهو مرض في الجهاز العصبي له تأثير شنيع على الحياة الذهنية والأخلاقية للفرد وبالتالي للجماعة، وأول من فطن إلى حقيقة كنه هذا الداء واستجلى غوامضه وأحاط بظاهره وباطنه ثم وضع له تعريفاً فنياً أصولياً هو البحاثة موريل إذ قال: إن أوضح فكرة يمكننا تكوينها عن مرض الانحطاط هو أنه انحراف فاسد عن صورة أصلية يترك المصاب به عاجزاً عن تأدية وظائفه الاجتماعية في الحياة، وهذا الداء ينتقل إلى الذرية بطريق الوراثة ويزداد ويتجسم مع التسلسل، وخواص هذا الداء - تعطل في نمو الملكات الذهنية والأعضاء البدنية وضعف وسقم فيهما.

وأهم أعراض هذا الداء النفسية هي: عدم الشعور بفروض الآداب وواجبات الفضيلة أعني قلة التمييز بين الخير والشر، فالمصابون به لا يعرفون ما يسميه الناس قانون الحشمة واللياقة فتراهم لأقل باعث من شهوة أو هوي يقترفون الإثم والجريمة بكل طمأنينة وارتياح، ولا يكادون يحسبون أن في فعلهم هذا ما يسوء الغير ويؤذيه، وهذه الخصلة في أقصى درجاتها تسمي الجنون الأخلاقي، ولها سببان نفسيان، الأنانية الشديدة، وسرعة التهيج العصبي، أعني العجز عن مقاومة الإرادة متى همت باتيان أي شيء، ومن أعراض الداء أيضاً سرعة تأثر العواطف (وإن كان هذا العرض ربما شوهد في الرجل السليم عندما يصاب بعلة وقتية كالمرض الجثماني أو انتهاك القوى أو بصدمة ذهنية، ففي هذه الحالة يزول العرض بزوال السبب) فترى المصاب يضحك حتى تسيل دموعه أو يبكي منتحباً بلا داع ولا موجب، فالشعر البارد السخيف يطربه ويشجيه، والغناء الفاتر الضعيف يميته