للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويحييه، وهو بين هذا وذاك يفخر ويتيه بما قد أوتي من رقة الإحساس وحدة الشعور، ويحسب أن الله قد خصه من دقة النظر ونفاذ البصيرة بما حرمه العوام والغوغاء من الطبقة الغبية البليدة، فيدلّ على أولئك المساكين ويرمقهم بعين الإصغار والاحتقار، وقد فاته أنه هو المسكين الخليق بالازدراء بل بالرحمة والرثاء، وإنه إنما يتيه ويفخر بداء وفساد في العقل.

ومن أعراض الداء أيضاً نوع من الكآبة والضيق والهم يعتري المصاب ويظهر فيه على صورة اليأس والتشاؤم والتبرم بالناس والكراهة لجملة ظواهر الحياة والكون، أو الكراهة لنفسه والتأفف من ذاته، قال العلامة موريل وأمثال هؤلاء لا تكاد تسمع منهم إلا الأنين والشكوى يندبون حظوظهم ويلعنون القضاء والقدر بألفاظ وكلمات محدودة معدودة لا تتغير ولا تتنوع ويصورون لأنفسهم بأيدي الخيال صوراً شنيعة من الخسران والخراب والتلف.

وهذا الضيق والهم والضجر تكون في العادة مصحوبة بالعجز عن القيام بالعمل أياً كان إلى حد الكراهية الشديدة للحركة على الإطلاق وموت العزيمة، والمريض المصاب بهذه البلية لا يخطر بباله أن سبب ما هو فيه من الضيق والملل ونتيجتهما من البلادة والتقاعد إنما هو فساد في الخلقة ومرض في العقل، ولكنه ترى أن الحالة التي هو بها هي نتيجة مشيئته الحرة واختياره فيعتقد أنه هو الذي فضل بمحض إرادته ترك الأعمال ترفعاً واستنكافاً من خسة العمل وحقارته وهو الذي تجنب السعي احتقاراً للدنيا وطلابها وعملاً بسنة الزهاد والمتصوفة وإيثاراً لمبدأ الرهبنة ودين البوذية، مادحاً نرفانا بأنه أكمل إنسان وأفضل مخلوق، فمثل هذا المصاب وأشكاله قد أعدتهم الفطرة لأن يكونوا شيعة الفيلسوف النابغة والمريض المصاب آرثر شوبنهور وليس عليهم إلا أن يتعلموا أصول البوذية حتى يعتنقوا هذه الديانة.

وعلى ذكر الفيلسوف العظيم الذي كان من زمرة المصابين بذلك الداء (الانحطاط) نقول إنه لا يتحتم أن يكون (المنحط) (المصاب بداء الانحطاط) خلوا من النبوغ والعبقرية، فلقد أجمع الباحثون طرا على عكس ذلك، قال العلامة ليجران (ربما كان المنحط عبقرياً، وذلك لأن الذهن المختل التوازن هو بطبيعة خلقته وتكوينه جدير أن يعظم فيه بعض الملكات بقدر ما يصغر فيه البعض الآخر فبينما يسوؤك ويحزنك بأخبث الرذائل وأنكر القبائح إذ