للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[اعترافات سكير]

ليس في مناحي الأدب وأبوابه منحى أشد تأثيراً وأعظم وقعاً في نفوس القراء من ذلك المنحى المعروف بالاعترافات، ولقد صدق الشاعر بوب حيث قال: أن أصدق بحث في شؤون الإنسانية هو البحث في شؤون الإنسان: أو ليس معنى الاعترافات أن الكاتب يستقبلك بين ثنايا ضميره. ويرحب بك في أعماق سريرته. ويقبل عليك بأسراره ويفتح لك صدره لتطلع إلى خباياه وأخباره. إن كاتب الاعترافات لا يكتب للساعة التي هو فيها وإنما يكتب للعصور والأجيال. ولا يخاطب رجلاً واحداً وإنما يخاطب الجميع.

وكتابة الاعترافات على نوعين، فالنوع الأول بدأ به روسو فالتزم فيه الحق، ولم يستعن فيه بأبواب الأدب. فكان مطلع اعترافاته.

إذا نفخ في الصور. وقام يوم الحساب. سأذهب وكتابي هذا في يدي. فأمثل في خضرة الملك الأعلى. فأقول عالي الصوت. أي ربي هذا ما صنعت. وهذا ما فكرت وهذا ما كنت. لقد كنت في قول الخير صريحاً كما كنت في قول الشر. لم أقتل من الشرور شراً. ولم أضف على الخيرات خيراً

والنوع الثاني نحاه جوت. فلم تكن له شدة روسو. ولك تكن له صراحته بل جنح فيه إلى شاعريته. واستعان فيه بمخيلته.

ونحن نقدم لقرائنا هذه الاعترافات التي كتبها الكاتب الفكه شارلز لام. فلم يلتزم فيها النوع الثاني كل الالتزام. ولئن بدا في اعترافاته شيء من الأدب والفكاهة. فلا يكون ذلك إلا راجعاً إلى شخصية الكاتب وروحه.

وأن في هذه الاعترافات لعبرة وتذكرة لشاربي الخمر. المكثرين منها والمقلين.

لا حديث للمقلين من الشراب. الصادفين عن الخمر. الراغبين عن الراح إلا النصح للمكثرين باجتنابها. وحث المدمنين على احتوائها. وحضهم على كرهها. ولقد صادفت أحاديثهم وعظاتهم اعجاباً كثيراً. واستحساناً كبيراً. لدى معاقري الماء القراح.

أما المريض الذي له ينصحون. والعليل الذي يطلبون له الشفاء من برحاء العلة، فما بلغت ضوضاؤهم مسمعيه. ولا طرقت أصواتهم أذنيه. أما وقد عرف الداء. فقد ذل الدواء. وهو فليمتنع المكثرون!

وليس ثمت قوة تكره المرء على رفع الكأس إلى شفتيه. وليس من سلطان في الأرض