للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثار المتقدمين والمتأخرين]

فصل من رسالة في الحاسد والمحسود

لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

١

والحسن أبقاك الله داء ينهك الجسد ويفسد الاود علاجه عسر وصابه ضجر وهو باب غامض وأمر متعذر وما ظهر منه فلا يداوى وما بطن منه فمداويه في عناء ولذلك قال صلى الله عليه وسلم دب اليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء. وقال بعض الناس لجلسائه أي الناس أقل غفلة فقال بعضهم صاحب ليل إنما همه أن يصبح فقال أنه لكذا وليس كذا وقال بعضهم المسافر إنما همه أن يقطع سفره فقال أنه لكذا وليس كذا وقال بعضهم المسافر إنما همه أن يقطع سفره فقال أنه لكذا وليس كذا فقالوا له فأخبرنا بأقل الناس غفلة فقال الحاسد إنما همه أن ينزع الله منك النعمة التي أعطاكها فلا يغفل أبداً ويروى عن الحسن أنه قال الحسد أسرع في الدين من النار في الحطب اليابس وما أتى المحسود من حاسده إلا من قبل فضل الله عنده ونعمته عليه قال الله عز وجل: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً}.

والحسد عقيد الكفر وحليف الباطل وضد الحق وحرب البيان فقد ذم الله أهل الكتاب به فقال: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم: منه تتولد العداوة وهو سبب كل قطيعة ومنتج كل وحشة. ومفرق كل جماعة وقاطع كل رحم من الأقرباء ومحدث التفرق بين القرباء وملقح الشر بين الحلفاء يكمن في الصدر كمون النار في الحجر - ولو لم يدخل على الحاسد بعد تراكم الغموم على قلبه واستكمان الحزن في جوفه وكثرة مضضه ووسواس ضميره وتنغص عمره وكدر نفسه ونكد عيشه إلا استصغاره نعمة الله وسخطه على سيده بما أفاد غيره وتمنيه عليه أن يرجع في هبته إياه وأن لايرزق أحداً سواه لكان عند ذوي العقول مرجوماً وكان لديهم في القياس مظلوماً وقد قال بعض الأعراب ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد: نفس دائم وقلب هائم وحزن لازم والحاسد مخذول وموزور والمحسود محبوب ومنصور والحاسد مغموم ومهجور