للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حالة الأدب اليوم]

أيها السادة:

ما دمنا نحتفل اليوم بمجلة البيان فلا شك في أنا نحتفل بالأدب والأدباء، فقد أخذت هذه المجلة من أول عهدها إلى اليوم بناصر الأدب، مقدمة إياه على كل فن أو باب آخر، جاعلة له المقام الأسمى في كل ما تعنى به من اجتماعيات وتواريخ وغيرها، بل أنا لا أغالي إذا قلت أن مجلة البيان قصرت نفسها على نصرة الآداب والكتابة حيث جعلت جل همها بل كل همها النظر إلى ما يختص بالأدب من جهة ما تعالجه من سواه من الموضوعات، كما أنها جعلت غرضها الإصلاحي الذي ترمي إليه - ولكل منا نحو الإصلاح غرض - جعلته إعلاء شأن الأدب وإدخال الإصلاح إليه.

لهذا كانت تعني بنشر ما يظهر من آي الأدب وبدائع الشعر عنايتها بنقدهما جميعاً واسمحوا لي أيها السادة أن أقول أني لست أقصد بالنقد ما يسرع إلى ذهن الكثيرين تصوره من البحث وراء عيوب الشيء واستظهارها واتخاذ ذلك وسيلة للطعن على الشيء والانتقاص منه، ولكني أقصد بالنقد تمحيص الشيء والنظر إليه بعين نافذة وعادلة معاً واستظهار الحسن منه والسيء، وتلك هي وحدها الطريقة المثلى، وهي الطريقة التي اتبعها كبار كتاب الغرب، وهي أيضاً الطريقة التي عالج البيان الأخذ بها في كل ما تعرض لنقده من أعمال الأدب ورجاله.

على هذه الطريقة في النقد أيها السادة، على هذه الطريقة الحيادية التي لا تعرف التعصب المذموم ولا تهتم إلا بقول الحق، أريد أن ألقي على حضراتكم كلمة موجزة في حال الأدب عندنا اليوم، وقبل أن أتقدم بشيء منها أتقدم بالاعتذار إليكم عنها، أتقدم بنقدها على هذا الأساس، وهو أنا نعيش في زمن توترت فيه أعصاب العالم كله واتجهت نظراته نحو نقطة غامضة يريد أن يجد حولها شعاعاً يبصره بما تحتويه، هذه النقطة الغامضة هي المستقبل، ولقد بلغ من توتر الأعصاب أن نسيت الأذهان التفكير فيما سواها إلا ما تعلق بالحياة المادية حياة البطون والأبدان، والأدب أبعد الفنون عن التفكير في حياة البطون والأبدان، كما أنه لا يستطيع أن يتمركز حول هذه النقطة الغامضة السوداء لأن من أهم خواصه التوسع والانتشار في كل نواحي الحياة من إحاطة بظواهرها وامتداد إلى خوافيها وهجران إياها للهيام وسط الأجداث والتسرب بين الرفات وارتفاع عن هذا وذاك إلى أجواء الحزن