للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[نوابغ العالم]

ابن الرومي

(تابع)

بقلم الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

لا ريب إن كثيراً من فصول هذه الرواية الإنسانية قد استسر خبرها، وأمحى أثرها، وأصبح عند الله علمها، ولكن ذلك لم يغلل أيدي الناس عن التنقيب والبحث، ولم يحل بينهم وبين ما يرومون من تفحّص أخبار الإنسان، والمبالغة في استخبار آثار عنه، وإن كانوا بعدُ لم يتمكنوا من الحجة، ولم يجدوا رائحة الكفاية، ولا ثلجوا ببرد اليقين،. . ألا ترى الناس على عجزهم الظاهر، وقصورهم البادي عن الإفضاء إلى حقيقة الأمر لا يزالون يجمعون ما تصل إليه أيديهم من آثار أبطال العالم وعظمائه، وإن كانت في ذاتها تافهة لا قيمة لها ولا وزن، علّهم يستشفون منها نفوسهم، ويستجلون أحلامهم وهواجسهم؟، إلا أنا اليوم على قلة الوسائل، ونزارة الذرائع، وضعف الأسباب، أفطن لمعاني العظمة والبطولة في الإنسان وأشد إدراكاً، وأحسن في الجملة تقديراً لها من أسلافنا. . فإنهم وإن كانوا قد رفعوا أبطالهم إلى مراتب الآلهة، ومنزل الأرباب، غير أن الناقد المتأمل ليجد في عبادتهم هذه شيئاً من خشونة حياتهم، وشظف عيشهم، ولكنا اليوم وإن كنا لا نسكن عظماءنا جبال (أولمب) أو (ولهلا) ولا نعتقد أن الشمس من مظاهر (أو رمزد) غير أنا على ذلك ألطف حساً، وأصفى نفساً، وأصح نظراً، وأوسع إدراكاً، وأحسن انتفاعاً. .

وليس معنى هذا أن آباءنا كانوا لا يفطنون للعظمة والبطولة ولكن معناه أن صلتهم بعظمائهم ونسبتهم إليهم كانتا على غير ما ينبغي أن تكونا، ولو نحن أردنا أن نثبت ذلك من طريق البرهان القيم، والدليل المقنع، لا حوجنا ذلك إلى التطويل، وإلى تكلف ما لا يجب، وإضاعة ما يجب، ولكنا نستغني بالاختصار عن التطويل، وبالإجمال عن التفصيل، ثقة منا واستيقاناً بأنها مسألة يجلوها أيسر النظر، ويكشفها أهون التأمل.

الإنسان مطبوع على الإيمان بالعظيم إيمانه بالحياة، وليس ثمة ما يعين على احتمال الحياة، ويجلى من وحشتها مثل هذا الإيمان، لأن العظيم في كل عصر كوكبه اللامع، ونبراسه الساطع، وبدره الزاهر، وبحره الزاخر، وليت شعرى هل الناس لولا العظماء الأجبال من