للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الخلود]

قصيدة نظمها الشاعر لامارتين يرثي بها حبيبته الفير وكانت قد قضت نحبها في ريعان الشباب وكان لامارتين نفسه مريضاً يظن أنه قد شفا الموت وقد جمعت القصيدة معاني شتى من الفلسفة والحب والجمال والموت والخلود حتى عدت أحر زفرات الشاعر وابلغ نفثاته.

هذه شمس أيامنا أصفرت وهي في مطلعها أنها لا ترسل الآن على جباهنا الذابلة ووجوهنا المنهوكة المتعبة إلا أشعة متحدرة مضطربة واجفة تغالب مطالع الظلام وتناصب هواجمه هذا الظل يمتد وهذا النهار يموت كل شيء يزول يفر ويطير.

لشد ما يرتجف المرء لهذا المنظر الرهيب ويرتعش لشد ما يراجع الخطى عند حدود الهاوية وينكب بل لشد ما يخفق الفؤاد إذ يستمع عن كثب على تلك الأنشودة الحزينة المظلمة أنشودة الموتى تتردد في أعماق صدره منتشرة في أنحاء نفسه إن تلك الأنات المخنوقة والأنفاس المتحشرجة آهات الحبيب وزفرات الخليل وانتحابات الولي وهي تتراجع وتضطرب حول فراش الموت أن هذه الأصوات المضيعة المبددة تعلن الأحياء أن منكوداً منهم قد خف ومكدوداً قد رحل.

تحيتي إليك أيها الموت وسلامي أيها المنقذ السماوي الكريم ما عدت بعد اليوم تطالعني في ذلك المنظر المرعب المشؤوم برهبتك وخشيتك ولا عادت يمينك تشارفني بمرهف سيفك لست أيها الموت بالمتجهم الوجه ولست بالخائن العين أنت الذي تروح إلى الله الرحيم بأحزاننا وفجعاتنا ونستدعي رحمته على نكباتنا وويلاتنا أنت لا تعدم بل تنقذ أنت لا تقتل بل ترحم إن يدك يا رسول السماء تحمل إلى مشكاة الهية يوم تحرم عيني المتعبة الحسيرة مشرق الضياء ومطلع النور أنك تجيئني لتمطر الجفن وتبلل العين هناك يطفر الأمل إلى قربك يظلله الإيمان وتشده التقوى ويفتح أمام عيني عالماً أجمل أروع حلو المتقبل لذ المتفكه والمتنعم.

ألا تعال أيها الموت وأقبل تعال فاقطع عني أغلال اللحم وبدد عني قيود البدن تعال أكسر باب سجني وافتح مغالق محبسي أعرني أجنحتك الهفهافة وقوادمك ماذا يحبسك عني ويمسكك ماذا يعيق عن زورتي ويؤخرك ألا أطلع عليّ وأشرف أريد أن أطفر إلى ذلك الكائن العظيم اشهد عنده مبدئي ومختمي.