للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بطل مصر العظيم

[سعد زغلول]

وكذلك لبثنا أجيالاً كأكوام الحطب المكدسة الجامدة الهادمة الميتة ننتظر تلك الشعلة المستعرة بلهيب العبقرية المقدسة، نرتقب نزولها من السماء لتوقظ غفلتنا وتنبه رقدتنا - وها هي قد نزلت أخيراً وقد اشتعل بشواظها الجانب الأعظم من أكداس الحطب الهامدة - فما بال فئة تتذمر وتتسخط؟ وما لها تتعتب وتتغضب؟ وتنتقد وتتعقب؟ وما هذا العمى او التعامي؟ وما هذه الحماقة أو التحامق؟ وما هذا الجحود والنكران وما هذه الصدور الحرجة والأعطان الضيقة؟ وما لقومي يريدون أن ينظروا إلى البطولة نظرتهم إلى الشخصيات اليومية العادية ويستعملون في قياسها وسبر أغوارها تلك المقاييس والميابير الت ييختبرون بها الذهنيات المألوفة الشائعة والنفسيات المعروفة المنتشرة. وكان حقاً عليهم أن يعرفوا أن البطولة لا تقاس مقاييسها العادية بل لا تقاس البتة لأنها أعظم من ذلك وأهول بل لأنها لا تحد ولا تحصر. وما زال البطل العظيم إذا ظهر في شعب أو أمة كان موضع الدهشة والحيرة، فيهابه أقوم ويذعر منه آخرون ويبغضه جماعة ويراه البعض شراً وآفة والبعض آية وعيد وتهديد ويراه الجميع لغزاً وأحجية وقد قال هيجل في هذا المعنى. (الرجل العيم يجثم الدنيا مشقة القيام بشرحه وتفسيره لأنه لغز من أصعب الألغاز) وبعد هذا كله وبعد حكمة هيجيل البالغة يأيى حماقة المتعاقلين المتحذلقين إلا أنت يحملوا شخصية البطل العظيم إلى معملهم العلمي فيضعونها على المشرحة ثم يشرحوها كما تشرح الجثث وبعد ذلك يحللون موادها تحليلاً كيماوياً ويزنون عناصرها وزناً كيماوياً ويقدمون غليك بعد ذلك حساباً كيماوياً عن نتيجة تجربتهم والجرام والملليجرام. مرحى مرحى؟ ما هكذا يا سادة تقاس العظمة ولا هكذا توزن العبقرية ولا قال أحد ما أن أعاظم الأبطال يقاسون بالمسطرة والبرجل ويوزنون بالمثقال والدرهم - البطولة شيء عظيم هائل، لا يستطيع امرؤ أن يتلقاه إلا بالهيبة والاحترام والخشوعه والإجلال، والبطولة سر رهيب كالحياة ذاتها ترغم كل إنسان على مخافتها والخضوع لها، ولا يجرؤ على انتقادها إلا المعتوه والأبله والمغرور والسفيه والأحمق، ومن أصر على تخنتطها وانتقادها فلن يجد مكاناً أصلح لذلك من مستشفى المجاذيب. وما نقوله لناقد الحياة نقوله أيضاً لناقد البطولة.