للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قل للذي يأخذ على الرجل العظيم عناده واستبداده وخشونته وغلظته وقسوته ما بالك لا تذم في نظام الكائنات البركان والإعصار والصاعقة والزلزال والعاصفة والطوفان - فكما أن هذه من عناصر المون اللمتتمة له وهي لازمة له لزوم أضدادها مما تراه أنت من حسنات ومنافع - وكلاهما سواء في الفضل لتساويهما في اللزوم - فكذلك مل تراه أنت رذائل في البطل وآفات هو لازم لكيانه وقوامه لزوم فضائله وحسناته إذ من النقيضين معاً وليس من واحد دون الثاني تتكون البطولة. وماذا أدل على صدق هذا القول مما لا يزال يشهد به التاريخ من اتخاذ الطبيعة وسائل القسوة والغلظة لبلوغ ما تريده من غايات الصلاح والخير وأوضح مثال على ذلك الثورة الفرنسية التي بالرغم من أنها كانت سلسلة فظائع وشنائع فقد كانت هبة الأمم الوسنى من رقاد كاد يخنقها أثناء كابوس الظلم والاستعباد وصيحة الشعوب ثارت من هجعة شبيهة بالموت فبدأت تشعر بأن هذه الحياة الدنيا ليست بأكذوبة ولا أبطولة، وأن عالم الله ليس بمكينة تساس بالمكر والدهاء.

قال كارليل (إنا لنرحب بالثورة الفرنسية ترحاب الغريق بالصخرة العبوس - فهي على عبوسها ووحشتها وإفقارها معاذ من الهلاك وعصمة من التلف. وهل كانت الثورة الفرنسية إلا وحياً حقاً من الله ورسالة صادقة وإن راعت القلوب وأزعجت الخواطر - أجل - بالثورة الفرنسية انتهى التصنع والزور والغش والخداع والباطل الأجوف الفارغ - انتهى شر كبير وفساد عظيم. فالثورة الفرنسية ثمرة حرة من ثمار هذا العالم وهي حق وإن كان حقاً متلفعاً في شواظ جهنم، - بيد أنها على كل حال حق لا باطل - وهي رسالة الله إلى الأرض صدع بها صوت من الرعد القاصف أو دوت بها نفخة اسرافيل في الصور.

انظر بعد ذلك غلى ما قاله نابليون بونابرت ممثل الديمقراطية وزعيم الشعب وبطل الحرية (إنما أدركت غايتي وبلغت مرادي بقوة النفوذ) ثم انظر إلى نظريته في النفوذ. ماذا قال في ذلك (لا أعرف لا قوتين لتحريك الرجال: الرغبة والرهبة. أما الحب فهذا سفه وحماقة وبله وجنون. وأما الصداقة فهذا اسم بلا مسمى. هذا وإني شخصياً لا أحب إنساناً بل لا أحب أخوتي. ولعلي أميل قليلاً إلى يوسف أخي بحكم العادة ولأنه ليس مني وقد أحب (ديروك) ولكن لماذا؟ لأني معجب بصرامة حده. ومرارة جده: وفي اعتقادي انه ما ذرف قط من عينه دمعة. هذا وإني واثق أنه ليس في الدنيا من يحبني أو يخلص لي - فما دامت أي