للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نوادر وملح وفكاهات]

كان الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر سيد كتاب العربية قصيراً دميماً جاحظ العينين مشوه الخلقة حبهم المنظر حتى قال فيه بعض الشعراء:

لو بمسخ الخنزير مسخاً ثانياً ... ما كان دون قبح وجه الجاحظ

حكي عن نفسه قال: ما أخجلني قط إلا امرأتان رأيت إحداهما في المعسكر وكانت طويلة القامة وكنت على طعام فأردت أن أمازحها فقلت انزلي كلي معنا فقالت اصعد أنت حتى ترى الدنيا معرضة بقصره - وجاءت إلى الأخرى وأنا على باب داري فقالت لي إليك حاجة وأنا أريد أن تمشي معي فقمت معها إلى أن أتت بي إلى صائغ يهودي فقالت له مثل هذا وانصرفت فسألت الصائغ عن قولها فقال إنها أتت إلي بفص وأمرتني أن أنقش لها عليه صورة شيطان فقلت يا سيدتي ما رأيت الشيطان فأتت بك.

وأتاه يوماً رجل فقال سمعت أن لك ألف جواب مسكت فعلمني منها فقلت نعم فقال إذا قال لي إنسان يا زوج الفاعلة يا ثقيل الروح أي شيء أقول له قال قل له صدقت: وطلب إليه شخص كتاباً إلي بعض أصحابه يوصيه به فكتب له رقعة وختمها فلما خرج الرجل من عنده فضها فإذا فيها: كتابي إليك مع من لا أعرف ولا أوجب حقه. فإن قضيت حاجته لم أحمدك وإن رددته لم اذمك: فرجع إليه الرجل فقال الجاحظ كأنك فضفضفت الورقة قال نعم قال لا يضرك ما فيها فإنه علامة لي إذا أردت أن أشكر شخصاً.

حدث أبو العباس المبرد قال حدثنا محمد بن عامر الحنفي وكان من سادات بكر بن وائل وأدركته شيخاً كبيراً مملقاً وكان إذا أفاد على إملاقه شيئاً جاد به وقد كان قديماً ولي شرطة البصرة فحدثني هذا الحديث الذي ذكره ووقع إلى من غير ناحيته ولا أذكر ما بينهما من الزيادة والنقصان لأن معاني الحديث مجموعة فيما أذكر لك. ذكر أن فتياناً كانوا مجتمعين في نظام واحد كلهم ابن نعمة وكلهم قد شرد عن أهله وقنع بأصحابه فذكر ذاكر منهم قال كنا أكترينا داراً شارعة على أحد طرق بغداد المعمورة بالناس وكنا نفلس أحياناً ونوسر أحياناً على مقدار ما يمكن الواحد من أهله وكنا لا ننكر أن تقع مؤنتنا على واحد منا إذا أمكنه ويبقى الواحد منا لا يقدر على شيء فيقوم به أصحابه الدهر الأطول وكنا إذا أيسرنا أكلنا من الطعام ألينه ودعونا الملهين والمهلبات وكان جلوسنا في أسفل الدار فإذا عدمنا الطرب جلسنا في غرفة لنا نتمتع منها بالنظر إلى الناس وكنا لا نخل بالنبيذ في عسر ولا