للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شذرات من فلسفة نيتشه]

ائتلاف الشعور

للتوصل إلى معرفة وجدان الجار أو العشير أو بعبارة أخرى لكي تولد في نفوسنا تلك الإحساسات التي تملأ نفسه ترانا غالباً نبحث عن بواعث إحساساته وأسبابها كأن نسائل أنفسنا ما سبب حزنه أو سروره حتى إذا عرفناه أدخلنا على قلوبنا من الترح أو من الفرح مثل ما به غير أنا كثيراً ما نهمل أن نفعل ذلك أعني أن نبحث عن أسباب اغتمام الرجل مثلاً فنعرفها بل كل ما نفعل هو أننا نولد في أنفسنا إحساس جليسنا بتقليدنا حركات جسمه الدالة على هذا الإحساس كحطايتنا لحظ عينيه ونغمة صوته ومشيته ووقفته (أو حكايتنا صور هذه الحركات والهيئات كما يصورها لنا الكلام أو النقش أو الموسيقى) وتقليدنا حركة عضلات الرجل وجهازه العصبي. وبمجرد تقليدنا هذه الحركات يتولد في نفوسنا الشعور الذي في فؤاد جليسنا بمقتضى القانون النفساني - قانون اصطحاب الإحساسات ودلائلها الظاهرة. وبيانه أن لكل إحساس نفسي علامة ظاهرة في الجسم متى نبع الإحساس في النفس قام عليه الدليل في الجسم فإحساس الحزن مثلاً مصحوب بالدلالة الظاهرة - ظلمة الوجه. فإذا حزن القلب أظلم الوجه في الحال وهذا القانون عكسي أعني إذا كان رجل مشرق الوجه من السرور والارتياح فقابل آخر مظلم الوجه من الحزن فإن الرجل الأول لا يتمالك أن تكسو وجهه ظلمة طبقاً لقانون التقليد. وإذا كانت هذه الظلمة الظاهرة والحزن الدخيل هما كما قلنا متلازمين لا يكون أحدهما بدون الآخر فإنه متى غشيت هذه الظلمة الوجه تولد الحزن في القلب اضطراراً لا اختياراً وإن لم يكن هنالك أدنى باعث نفسي على الحزن. وهذا التقليد للحركات الظاهرة قد نمت ملكته في الإنسان فصار فيه من أسرع الملكات وأنشطها فانظر إلى وجه أية امرأة تصادفك وتأمل فيه سرعة حركة الحياة وفرط اضطرابها وانظر ما به من الاهتزازات والتموجات التي هي نتيجة دوام تقليدها وتصويرها لما يحيط بها من الحركات والسكنات.

وبعد فإنه ليس كالموسيقى شيء أدل على ما ركب في طبائعنا من القدرة على سرعة إدراك الإحساسات والعواطف والتأثر بها. فالموسيقى وإن لم تكن إلا تقليداً لتقليد العواطف والإحساسات فإنها رغماً عما فيها من الإبهام والبعد من الأصل أسرع الأشياء إلى إشعار