للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[صور هزلية]

من أخلاق الناس

عم سرور

لي الشرف بأن أقدم إلى القراء صورة رجل يأكل ويشرب ويمشي على قدمين ويخاطب الناس، ويجلس في مجالسهم، ولكنه لا يعيش ولا يحس بالحياة، ولا يعرف من علم الجغرافيا إلا القطعة الصغيرة من الأرض التي تحوط مسكنه، ولا يعلم من التاريخ إلا أن صوت معدته يستصرخه إلى طعام الإفطار وأكلة الظهر ووجبة العشاء ولعل حياته التي عاشها إلى الآن لم تكن إلا صورة حقيقية لمبحث الجولان في النوم وهو لهذا يستطيع أن يزوغ من الحساب في الآخرة لأنه كان في الحياة الدنيا في الإجازة ولا أظن أن يديه ورجليه ستعرف كيف تؤدي الشهادة عليه، وهو لم يكلفها عملاً، ولم يلتمس إليها سعياً ولا شغلاً، وقد لا يكفي نشادر الجنة لإيقاظ هذه الروح من ضجعتها الدنيوية الطويلة، وآخر ما يمكن أن يصنع لأجله هو أن يلقى في نهر من أنهار الخمر فلعله مستفيق من ذلك الرحيق الإلهي العذب.

هذا الرجل، بل مادة النوم التي يتوزع عنها أسلاك النعاس إلى أجفان الإنسانية أو مندوب أهل الكهف في هذا العصر، أو شركة النوم والبلاهة ليمتد هو - ولي الشرف - عم سرور: بواب منزلنا سابقاً، والمدير الفني في حفلات الدلوكة الآن.

وسيعجب القراء وتتولاهم الدهشة الكبرى أن يكون هذا الطيف الإنساني بواباً وأن يلقى إليه أمر الحراسة، وأن يستأمن على الأبواب والأمتعة والأرواح، وسيذهب القراء مذاهب كثيرة في التأويل والحدس والتخمين، حتى ينتهوا إلى أن أهل البيت ولا ريب يشاركون بوابهم في ذهوله وغفلته وبلاهة فؤاده، ولكنهم لن يصلوا إلى الحقيقة وهي أن البيت والحمد لله لا يحتوي من النفائس ما يعد خليقاً بالسرقة، وأن ليس على الأرواح ضير من اللصوص، لأن اللصوص لا يخطفون الأرواح إلا إذا حالت دون سرقة المتاع.

وقد كان عم سرور مع ذلك المثل الأعلى للبوابين، وكان حارساً أميناً يحكى الكلب وفاء وحفاظاً، ولكنه لا ينبح اللصوص وإنما يغط في وجوههم، وقد بلغ من عنايته بحراسة الباب أنه في الأيام الأولى من عهده بخدمتنا لم يكن يعرفني ولم يكن قد استوثق بعد مني -