للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[طرف أدبية]

اختراع التقبيل

للكاتب العبقري عبد الرحمن شكري

يا رعى الله من اخترع التقبيل فإنه قصيدة من قصائد النسيب وآلة من آلاته ونغمة من نغماته. حدثنا الخيال قال أن آدم هو أول من اخترع التقبيل قال زعموا أن آدم وحواء ذهبا إلى شجرة من شجر توت الجنة وجعلا يأكلان من ثمرها حتى سال رضابهما وامتزج بماء الثمر الذي أكلاه فأعطاه ماء الثمر من حلاوته فبينما يأكلان لمست شفة آدم شفة حواء عن غير قصد فراقتهما تلك اللمسة المعسولة بعصير الثمر فكانا كلما أرادا أن يراجعا لذتها ذهبا إلى شجرة التوت (ياليتهما لم يذهبا بعد ذلك إلى شجرة الحنطة) وبللا شفتيهما بعصير ثمرها ثم حك أحدهما شفته بشفة الآخر.

وجاءت حواء إلى آدم يوماً وقالت له يا آدم أنك قد اخترعت التقبيل بحك الشفاه ولكني اخترعت نوعاً آخر من أنواعه قال آدم وما هو قال هو التقبيل بإطباق الشفاه قال آدم أجدت يا حواء ولكن لا غرو فأنت أم النساء وزعموا أن الحلاوة التي نذوقها إذا قبل أحدنا عشيقته هي بقية جاءتنا من سبيل الوراثة من حلاوة ثمر توت الجنة الذي بلل آدم وحواء شفتيهما بعصيره.

والقبل غذاء العاشق والشاعر فهو إذا قبل حبيبته كانت روحه فوق شفته وطيّ أنفاسه فإذا تصافحت الشفاه تصافحت الأنفس. إنك لتشرئب بعنقك عند التقبيل فتشرئب نفسك حتى تطل على حبيبك من عينك وفمك فإن العين والفم بابان تطل منهما النفس على مرأى صالح ومعتنق طيب.

أيام الشباب وأيام التصابي من لي بتلك القبل البطيئة التي تضرم النفس وتشعل العين وتوقد الخيال. أيام الشباب وأيام التصابي لكانت تلك القبل جيداً في عنقك ورونقاً غضاً في ريعان الحياة. أيام الشباب أنت فجر الحياة فيك تغني القبل بصوتها الغريد كما تغني الأطيار في فجر النهار وفيك تينع القبل في روض الشفاه كما تينع الأثمار والأزهار في الروض. أيام الشباب أنت عنوان الحياة فيك يقرأ القارئ آية الحب وآية العمر.

إن في القبل من بيان المنطق وفصاحة القول ما يعجز (برك) و (ششرو) ومن بلاغة