للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مطالعات]

نوادر العميان

حدث بعضهم قال: نزلت في بعض القرى وخرجت بعد هدأة من الليل لأقضي حاجة فإذا أنا بأعمى على عاتقه جرة ومعه سراج فقلت له: يا هذا، أنت والليل والنهار عندك سواء، فما معنى السراج؟ فقال: يا فضولي، حملته معي لمن كان أعمى البصيرة مثلك، يستضيء به فلا يعثر بي فأقع أنا وتنكسر الجرة، وقال بعضهم: يقال أن أهل هيت يكون أكثرهم عوراً، فرأيت رجلاً منهم صحيح العينين، فقلت له: إن هذا لغريب! فقال: يا سيدي إن لي أخاً أعمى قد أخذ نصيبه ونصيبي، وتزوج رجل أعمى من امرأة قبيحة، فقالت له: رزقت أحسن الناس وأنت لا تدري فقال لها: يا بظراء أين كان البصراء عنك قبلي؟ وكان بحرم سيدنا الخليل عليه السلام شخصان أعميان أحدهما ناظر الحرم والآخر شيخه فأراد الناظر عزل الخطيب فعارضه الشيخ ومنعه فقال له الناظر كأنك قد شاركتني في النظر فقال له، لا بل في العمي فاستحى واستمر الخطيب، وجاء رجل بشار بن برد الشاعر الأعمى فسأله عن منزل رجل ذكره له فجعل بشار يفهمه ولا يفهم فأخذ بشار بيده وقام يقوده إلى منزل رجل وهو يقول:

أعمى يقود بصيراً لا أبالكم=قد ضل من كانت العميان تهديه

فلما وصل به إلى منزل الرجل قال له: هذا منزله يا أعمى، وإذ جر الحديث إلى ذكر بشار فلنورد شيئاً من نوادره عامة، أنشد بشار يوماً أبياته التي يقول فيها:

جفت عيني عن التغميض حتى ... كأنّ جفونها عنها قصار

إلى أن قال:

كأن فؤاده كرة تنزى ... حذار البين أن نفع الحذار

يروعه السرار بكل أمر ... مخافة أن يكون به السرار

فقال له رجل: أظنك أخذت هذا من قول أشعب، ما رأيت اثنين يتساران إلا ظننت أنهما يأمران لي بشيء: فقال بشار: إن كنت أخذت هذا من قول أشعب فإنك أخذت ثقل الروح والمقت من الناس جميعاً فانفردت به دونهم، وحدث بعض الشعراء، قال: أتيت بشار الأعمى وبين يديه مائتا دينار فقال لي خذ منها ما شئت أو تدري ما سببها قلت لا، قال: