للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جاء فتى فقال لي أنت بشار فقلت: نعم فقال إني آليت أن أدفع إليك مائتي دينار وذلك أنى أحببت امرأة فجئت إليها فكلمتها فلم تلتفت إليّ فهممت أن أتركها فذكرت قولك:

لا يؤيسنك من مخدرة ... قول تغلظه وإن جرحا

عسر النساء إلى مياسرة ... والصعب يمكن بعد ما جمحا

فعدت إليها فلازمتها حتى بلغت منها حاجتي، ولولا أن الفسوق قد استشرى في عصرنا هذا، وأن شبابنا حرسهم الله قد سبقوا بشاراً في معنى بيتيه هذين وأمعنوا إلى ما لا يخطر على بال بشار وتكشفوا عن أقصى غايات الصفاقة ورقاعة الروح لكنا اختشينا ذكر مثل هذين البيتين في البيان، وإلا فإن المهدي الخليفة العباسي لما بلغه عن بشار هذا الشعر ثم قدم عليه بشار فاستنشده إيه فأنشده طار الغضب إلى رأسه - وكان المهدي غيوراً - وقال لبشار: تلك أمك يا عاض كذا وكذا من أمه؟ أتحض الناس على الفجور وتقذف المحصنات المخبآت والله لئن قلت بعد هذا بيتاً واحداً في النسيب لآتين على روحك، ثم إن بشاراً لم يحظ من المهدي بعد ذلك بشيء على الرغم من ائتماره بأمر المهدي وإقلاعه عن النسيب وإكثاره من تمداحه حتى أن بشاراً لما ضاقت عليه الدنيا من جراء ذلك هجا المهدي أقذع الهجاء فسعى به يعقوب بن داود وزير المهدي، وكان يعقوب هذا مضصغنا على بشار إذ هجاه بقوله:

بني أمية هبوا طال نومكم ... إن الخليفة يعقوب بن داود

ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة الله بين الزق والعود

فدخل يعقوب على المهدي فقال له يا أمير المؤمنين إن هذا الأعمى الملحد الزنديق قد هجاك فقال بأي شيء فقال بما لا ينطق به لساني ولا يتوهمه فكري فقال له بحياتي إلا أنشدتني فقال والله لو خيرتني بين إنشادي إياه وبين ضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي فحلف عليه المهدي بالإيمان التي لا فسحة فيها أن يخبره فقال أما لفظاً فلا ولكني أكتب ذلك فكتبه ورفعه إليه فكاد ينشق غيظاً، وعمد على الانحدار إلى البصرة للنظر في أمرها فلما بلغ البطيحة سمع أذاناً في وقت ضحى النهار فقال انظروا ما هذا الأذان فإذا بشار يؤذن وهو سكران فقال له يا زنديق عجبت أن يكون هذا من غيرك أتلهو بالأذان في غير وقت صلاة وأنت سكران ثم دعا بابن نهيك فأمره بضربه بالسوط فضربه بين يديه على