للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[خواطر الطفولة]

هذا مقال فلسفي فكه، بديع المنحى، رائع المغزى، وضعه في هذه الأيام الأخيرة رجل من أكبر كتاب الدنيا في الروايات وفي الصفوف الأولى من العلماء المحدثين، وأدباء انجلترا العصريين، وهو السير كونان دويل، ولا يذهبن القارئ إذ يقرأ هذه الأسطر إلى أنه سيقرأ رواية جديدة عن شرلوك هولمز وهو ذلك الضرب من الروايات الشرطية، والأقاصيص التي افتن كونان دويل في سبكها وإظهار حيل اللصوص والشرط في تضاعيفها، ولا يحسبن أنها تدخل في باب تاريخ الحرب الكبرى الذي كلفت الحكومة الانكليزية هذا الكاتب العظيم بوضعه، ومنحته في سبيل إتمام هذا التاريخ مائة ألف جنيه تنشيطاً له واحتثاثاً، بل هذه ليست إلا صوراً رسم فيها ذلك الروائي المبدع وجهاً جديداً من حياته الخاصة، وصور بها أطفالاً له نجباء، وسيعلم القارئ أن السير كونان دويل ولا ريب وجد في تصوير هذه اللوحات الصغيرة ترويحاً لنفسه في هذه الأيام العصيبة التي تركت أثرها في كل روح، وشغلت كل ذهن، ونحن نعتقد أنها ستقع هذا الموقع من نفس القارئ وتخرج به من قراءة أخابير الحرب ومشاغلها وهمومها إلى قراءة قطعة عذبة لذة ذات مغزى طيب نافع.

هذه الصور التي أرسمها هي عن ثلاثة أطفال، ولكن أشخاصها في الحقيقة خمسة، على أن الشخصين الآخرين ليسا إلا من باب الصور الإضافية فقط أما الأطفال الثلاثة فهم مختلفون جد الاختلاف وأكبرهم سناً صبي في الثامنة ندعوه لادي وإذا كان في أهل الإنسانية فارس انحدر إلى الدنيا جاهزاً. . وتام الفروسية فهو هو، فإن له روحاً أشجع ما يكون من الأرواح وهي أنكر الأرواح لذاتها، وأطهرها صفحة، وأنصعها أديماً، وهي تسكن بدناً طويلاً نحيفاً كامل الهيئة، خفيف الحركة، وهو صبي خجول، ولا يشرق أمام الغرباء، ثم يتلوه الطفل دمبلس وهو يناهز السابعة، ولن ترى في الدنيا طفلاً مثله استدارة وجه ونعومة خد، تحت عينين واسعتين شريرتين تلمعان مجوناً حيناً، ثم تنطفئان حيناً فتلوحان حزينتين ذابلتين، وفي هذا الطفل بذور الرجل العظيم، وأساس الجبار الهائل، وإن لروحه عمقاً وسكوناً ووقاراً تتجلى في كثير من الأحايين، ولكنه في ظاهره طفل الأطفال، وأشد الصبيان صبيانية، وهو أبداً يطلب العبث والأذى والمجون ويصرخ دائماً قائلاً، الآن أريد أن أتملعن وأمجن!. . فإذا قالها أتمها وإذا فاه بها أنفذها، وهو يحمل حباً خالصاً ووداً لجميع من حوله من المخلوقات، وهو أشد الناس ميلاً إلى خبر الحشرات ومعرفة أسرار الكائنات،