وقد شوهد كثيراً وهو يمسك بيده حشرة من الحدائق فيدنى فمها من حافة آنية مفعمة بالزبد ليعلم إذا كانت تحب الزبدةكما يقول:
وهو يتفحص الحشرات ويخرجها من مكامنها بشكل عجيب، وطريقة غريبة ولك أن تضعه في أجمل حائط. . وتدخله أبهج بستان فإنك غير لابث قليلاً حتى تراه طالعاً عليك يحمل في يده ضفدعة أو بزاقة أو فراشة، ولا شيء في الدنيا يحرضه على إيذائها وإنما يمنحها ما يظنه كرماً وحسن معاملة ثم يعيدها إلى أوطانها ويردها إلى أماكنها التي التمسها فيها، وقد اعتاد أن يكلم أمه كلاماً خشناً إذا سمعها تأمر الخدم أن يقتلوا الفراش إذا وجدوه فوق الكرنب ولا يرضيه أو يقنعه أن يسمع منها أن تلك الحشرات مؤذية للخضر ضارة به.
وإن له لمزية على أخيه لادي، وهي أنه لا يعتريه الخجل مطلقاً ولا يغريه بالسكوت، بل لا يلبث في لحظة أن يألف أي إنسان ويهجم عليه بالحديث ويسأله الأسئلة المتكاثرة وهو مخلوق فرح ولكنه (خلقي) أحب الأطفال إلى الشجار إذا قطب جبينه واحمر خده، وتقلصت شفتاه، فإذا عاودته هذه الحال استطاع أن يدفع أخاه الأكبر ويلصقه بالجدار، وذلك لأن أخاه يشعر بالفروسية، وتمسكه طبيعته النبيلة عن إيذائه أو مقابلته بالمثل، ولو قدر الله أن تظهر عظمة هذا الطفل الدفينة فيه النامية بين جوانحه، فهل تعرفون فيم تظهر، وأي منحى تنتحي، في قوة الخيال، فقل له أيتما حكاية فلا تلبث أن تجد الطفل قد راح مذهولاً مبهوتاً سارحاً في ملكوت الله، وإنه ليجلس جامداً في مكانه - لا حراك يتحرك، ولا يد يرفع، ولا رجل يهز، ولا يدع عينيه تتوليان عن عين محدثه وهو يلتهم كل غريب من الأقاصيص - وغامض مبهم من النوادر والحواديت وهو في ذلك نقيض أخيه، فإن هذا قلق لا يستقر به مكان، ولا يطمئن له مجلس، شغوف بأن يتحرك ويجري ليؤدي عملاً، أو ينفذ أمراً، ولكن دمباس الأصغر ينشغل ويثبت في مكان لا يبرحه، إذا كان هناك شيء خليق بأن يسمع، وإن له لصوتاً هو أحد مزاياه، وخاصة من خصائصه، فإذا كان قادماً عرفت ذلك عن كثب وهو مستهل طالع عليك من مسافة، وهو بهذه الرهبة الطبيعية، فضلاً عن جرأته وبلاغته واستفاضة كلامه يتخذ الرئاسة على إخوته في أي مكان يحتله على حين ترى أخاه الأكبر - وهو من نبله يرى نفسه أرفع من أن يحسن شيئاً من عوامل الغيرة - يرضى بأن يكون إزاء أخيه الصغير بمثابة الجمهور المتفرج الضاحك قبالة