للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المغنى الجهير الصوت.

وأما الطفل الثالث فمخلوقة في الخامسة جميلة كملاك وعميقة الروح كبئر، والطفلان بجانبها قليلاً الغور وبركتان ظاهرتا القاع بالنسبة إلى هذه الطفلة الصغيرة، في وضوح نفسها واعتزالها وإخلادها إلى ذات روحها، ونحن نعرف الولدين أما البنت فلا نستطيع لكنها إدراكاً، إذ يلوح وراء هذا البدن الضئيل الصغير شيء قوي، وعنصراً شديد التأثير وإن لها إرادة هائلة، وعزيمة صارمة فلا شيء يردها عن أمرها، ولا أمر في الدنيا يغريها بترك منتوى نفسها، وإنما تستطيع النصائح والإرشادات الرقيقة اللينة أن تهذبها وتكبح جماحها هو نا ما، والطفلان لا يستطيعان شيئاً ولا حيلة لهما ولا رجاء، إذا هي أصرت على شيء، أو أجمعت النية على شأن من الشؤون، ولكنها لا تبدي هذه النية القاسية إلا إذا أرادت أن تعلن عن عظمتها، وتظهر جلالها، وهذه لا تكون إلا على فترات ولا تقع إلا في أحايين إذ أن عادتها أن تجلس صامتة هادئة معتزلة متنبهة لجميع ما يحدث حولها، دون أن تسهم فيه إلا بنظرة أو ابتسامة وهي وأخوها الصغير دمبلس حليفان صديقان وإن كانا لا يفتآن يقعان في شجار المحبين ومعاكسات العشاق، فإذا كانت يوماً غضبي منه لم تذكر اسمه في صلواتها وراء أمها فتقول اللهم بارك كل إنسان إلا دمبلس وإذ ذاك تصيح بها أمها، ما هذا؟ ما هذا؟ يجب أن تذكري اسم أخيك!. وحينئذٍ تقول متكرهة. . إذن، فاللهم بارك دمبلس الفظيع!. . بعد أن تخص بالابتهال إلى الله قطتها وجديها وعروسها الخشبية.

وإن حبها عروسها خلق عجيب من بين أخلاقها، وهو يثير في الذهن نظرية علمية يؤيدها الأساتذة والفلاسفة، فقد بلغ من حبها لها أنها لا تذهب إلى أي مكان إلا اصطحبتها معها، وإن جميع لعبها الأخرى لا تعزيها عن غياب هذه العروسة، فإذا سافرت الأسرى إلى المصطاف على ساحل البحر فلا غنى عن سفر العروسة معها، ولن يغمض جفنها إلا إذا كانت بين ذراعيها - وإذا دعيت العشيرة إلى مأدبة، أصرت على حملها إلى الوليمة - وهذا الخلق يوحي إلى الفلاسفة شيئاً من تاريخ النوع الإنساني، فإن هذه العبودية التي تشعر بها الوليدة نحو عرائسها، صورة حية من نشوء الأديان، وهي أثر من آثار ساكن الكهوف والإنسان الأول، والوثني القديم، وفي حب هذه الطفلة لعروستها عبادة الوثنية فإن الهمجي المتوحش يختار الشيء التافه الذي لا يستحق العبادة فيعبده، وكذلك ترى هذه