للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[جوسلان]

أو

صفحة من الحياة

العصر الثاني

في الدير

. . . مضت ستة أعوام وجوسلان لم يكتب في خلالها حرفاً واحداً. . . قضى هذا الدهر وراء حائط الدير متوفراً على العبادة والتفكير والدرس. . . .

إذا امتد ظل الليل، وانتشرت في أركان الدير ظلمته، وفرغنا نحن سكان المعبد من طعام العشاء، وانتثرنا ملتمسين المقاعد في رحاب الدير وأفنائه، كل يطلب من الجمع صاحبه، وكل يبحث فيه عن رفيقه، يتهامسون في هدأة الليل ويتناجون، حيث يفيض القلب، ويتفتح الضمير، ويتدفق الحب، إذ ذاك أروح أنا الغريب الذي لم يجد بعد من أهل المعبد صديقاً، المنقطع الذي لم يجن له منهم وليّاً ولا خليلاً، لأن القلب المترع المفعم لا يميل إلى بعض الحب ولا يرتضي منه نصفه أو قليلاً، أنطلق منتبذاً مجالس القوم أطلب قرب الصديق العظيم ونجوي الوليّ السامي الأشم، باب معبده الخفي، ألقي عند قدميه حبي في وحشه الليل وهجعته.

أي أو سْيَان. . أوسيان لطالما زرت لأجلك سحائب أنيستور وأجبالها أحمل في قلبي شعرك، وفي يدي قيثارتك ممعنا في صميم الشتاء، أضرب في قلب الغابة الكثيفة العذراء لشدَّ ما استمعت لأنين الشمأل، وحشرجة الريح الباردة وهي تحف بفروع الشجرة الفنيانة المورقة، ولطالما مست طرة شعري جبيني المتبلل المتدفق، ولكم رأيت الريح العاصفة هاربة متولية، كأنما من خوف ورعب، إلى حدود الوهاد البعيدة المترامية، تجري من السماء مذعورة عاجلة هوجاء، تضرب وجه الصخرة الغضبى المزبدة، حاملة إلى أذنيّ صيحاتها وعولاتها وزبدها وعزيفها، فإذا انتفضت جذوع السرحات وأفنانها، كما تنتفض في ملعب الريح القصبة الجوفاء، وثارت الزوبعة المثلجة فنالت من أعاليها الشم الموحشة، وخفضت من رأسها المشرف المتطاول، وأنا أمشي مشتملاً في بُردَة العاصفة، مؤتزراً إزاره العاتية، وإني لأنظر فإذا شعاعة متوثبة تبدد غيم النوء المتكاثف، تمشي في أثرها