للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[المتشائمون]

مقال جميل جليل متفائل - خليق بجماعة الساخطين على السكون والحياة وبكل من يهمه أن يعيش في هذه الدنيا عيشة راضية أن يقرؤه وينعموا فيه النظر ويعتبروا بما جاء فيه - لخصناه من مبحث ضاف طوال للفيلسوف الألماني ماكس نوردو

من كان يحسب أهرام مصر وحدائق سميراميس وبرج بابل وتمثال رودس من عجائب الدنيا فإن ثمت ما هو أعجب من هذه وأغرب أعني بذلك مذهب التشاؤم مذهب الساخطين على السكون والإنسانية والحياة عامة سخط المهموم الكاسف البال الذي قد أصبح من الوجوم والانقباض بمنزلة من لج في الشراب علا على نهل حتى نزح أربعاً وعشرين كأساً.

والتشاؤم نوعان طبيعة وتكلف والأول ضربان نظري وفعلي فخطة النظري لإغراق في نقد كافة مظاهر الوجود ذاهباً إلى أن السكون بناء سيء الصنعة لا يفضل أدنى مجهود من يد جافية خرقاء وأنه لا غاية لاستمرار الوجود ولا قصد وصاحب هذا الرأي يقف أمام هذه الآلة (أي الكون) الضخمة المعقدة حائراً يهز رأسه عجباً ويحاول عبثاً أن يتبين لحركتها الطائشة وسيرها المجنون أدنى أثر في نظام أو حكمة ثم هو يرى أن اليد المدبرة للكون ولأعظم ما يهمنا في الكون أعني الحياة البشرية إنما هي الصدفة وأنه ليس هناك قوة منظمة كقانون الواجب توجه مجرى الحوادث صغيرها وكبيرها فالفضيلة في كساد والرذيلة في رواج والبر خائب والفجور فائز.

والعقل محروم يرى ما يرى ... كما ترى الوارث عين المريض

فلماذا تستمر الحياة ولماذا يدوم الكون؟ أليس الأصوب أن يهدم هذا البنيان ويرجع إلى العدم الذي منه خرج ونشأ؟

غرور وغفلة ومذهب باطل ورأي فائل! وذلك أنه بني على الخطأ وقام على الكذب إذ جعلت مقدمته التي ابتدئت بها القضية هي تقديس العقل البشري وافتراض أنه أشرف الخليقة وأنفس نتائج الطبيعة وانه قادر على فهم كل ما هو كائن وأنه لولاه ما كان شيء وأن ونواميسه لا بد أن تكون أيضاً نواميس الكون اجمعه.

والحقيقة أنه لو كانت نواميس الكون هي عين نواميس العقل البشري أعني أن الذي يسير الكون ويدبره هو عقل مماثل في ماهيته وتركيبه لعقل الإنسان - إذن لصح لابن آدم أن