للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اعترافات ألفرد ده موسيه]

ألفرد ده موسيه بلبل غرد شدا على أيكة الأدب الفرنسوى فبز أترابه الأطيار، وغني فأخذت عنه الأعواد والأوتار، وصدح والشباب من سامعيه، والبيان في شدوه والسحر في مسامع سامريه. ده موسيه هو الطائر المستجر قوادمه رائعات المعاني ورشيق الألفاظ من خوافيه.

أنزل الرحمن على قلبه حكمة الحب فتنقل بين أفنانه وتنزي فوق أغصانه وخاض فى أشواكه وذاق من مر نباته فبات مضنى الفؤاد جريحاً يبكي حبائب أسامهن قلبه وأسلمته هجراً، وخلص إليهن بروحه فألقى ودهن غدراً.

شاعر طاهر النفس. شبت الغوانى في جوانحه نار حب ما خبت حتى خبا. ولطالما شبب بهن. وآثر عذابات الهوي العذري على لذاذات الحب وعبث لصبا.

ونحن نعرب له اليوم اعترافاته وهي صفحات من آلام روحه وسمها بعنوان (اعترافات صبى من صبية العصر) وصف فيها ما كابد من عذاب وقاسى من أحزان.

وقراء البيان سيجدون في (ألفرد ده موسيه) مهبط حكمة ومحط صدق ومعانى تأخذ بمجمع النفس ودروس عفاف تطهر أرواح فتياننا وتهذب عواطف شباننا وإن فيها لبلاغاً للناس.

ونحن اليوم بادئون بالفصل الثالث مرجئين الأول والثانى اللذين هما مقدمة يذم فيها الزمان ويشكو العصر حتى إذا أتممنا الاعترافات عطفاً عليهما والله هادينا والقراء مناصرونا إن شاء الله.

علىّ أن أقص كيف أوقعني القدر فنابني من داء هذا الزمان ما نابنى. كنت جالساً إلى عَشاء لذ وقد عدنا من مرقص مخنمر، وصَحبي حافَون من حولى في باهرةِ شُمَلهم وبديع أثوابهم، وفى الجمع شباب تساموا للصبا، وشواب رحن مع الهوي، والكل مشرقون بالمراح واللهو، متألقون بالجمال والزهو. وعلى أيمانى وشمائلى أطعمة فاخرة وأباريق صهباء ومصابيح تجلو الدجي وثريات وأزهار وفوق رأسى نغم الموسيقي وصدحها وإزائي خليلتي، إنسانة شيمتها العجب والدل، تدلهتُ في حبها وتعبدت.

كنت يومئذ في الربيع التاسع عشر. ما نابني يوماً مكروه ولا شفني مرض.

كانت الصراحة والشمم معامن خلقى، أحمل المني وأرود الآمال جمعاً، وبين جنبي قلب مترع فضفاض.