للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[صور هزلية]

من أخلاق الناس

للكاتب المبدع عباس حافظ

عم زايد

كان عم زايد. . . . رحمة الله عليه - خادماً أسود في دار قوم عشيرتنا. نسخة قديمة من كتاب البلاهة الطبيعية التي أول ما خرجت طبعتها من مطابع المكتبة السماوية، في الأحراش، وتفرقت نسخها في الأجم، تحت ظلال الدوح وفي أفياء السرحات الباسقات، يوم كانت الإنسانية لا تزال في عنفوانها لا تعرف إلا ألكل والشرب - فقد ولد عم زايد ونما وكبر وشاخ ومات، أبله لم يزد عقله في رجولته عن حلمه في طفولته. وكان ذلك منه مثالاً على الثبات والوفاء، فقد كان رحمه الله وفيا في خدمته، ثابتاً على وفائه لسادته، فأبى ثباته إلا أن يظهر كذلك في بلاهته فظل عليها طول حياته. ولم يشأ وفاؤه إلا أن يبدو كذلك في سذاجته فمات عليها رحمه الله عليها وعليه!

وليس ألذ للسيد من أن يكوت الخادم أبله مغفلاً، حتى لا يأخذ سيده بالحقد أو بالمعارضة إذا كان عاقلاً، حتى ولا يكون في البيت عاقلان، فيصطدم عقيل السادة بعقيل العبيد، ولأن يجد الإنسان المتاعب من تحريك الخادم الأبله، خير له من أن يجد العنت كله من وراء الخادم العاقل. وندر ما تجد في الخدم العقلاء. أوفياء، ولكن أندر منه أن ترى في الخدم البله خونة، وليس في الخادم من لذة للسيد إلا إن كان في خلقه شيء من عنصر البلاهة فإن الدار ولا ريب تصبح به فرعاً منالتياترو وقاعة من قاعات السنيماتوغراف ولكنه سينماتوغراف قاصر على الأهل والمعارف فقط، ولا أنكر أن في اقتناء الخادم العاقل بعض الرحة والعون على شؤون البيت. ولكنه لا يزال بعد ثقيل الظل - لأنه يعرف الواجبات المطلوبة منه، ويضع لنفسه حدود خدمته فلا يريد أن يتطامن لأطفال البيت حتى يركبوا ظهره، ويتخذوه مطية مضحكة لهم. على حين يجد الصغار الروح كله والسرور من امتطاء ظهور الخدم البله، وفي رضى أولئك بذلك وتقليدهم للحيوانات والدواب. والسيد العاقل بل ربة البيت العاقلة تستطيع أن تتخذ من الخادم الأبله، خادمين اثنين، رجلاً وامرأة، فهو لا يأنف ولا يتعالى ولا يتململ إن دعي إلى الاشتراك في غسل الأواني،