للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتنظيف المقاذر وحمل الكناسة، ويجد في اللطمات تهوي على قفاه مزحاً دعابة، فلا يكون منه إذا ضرب إلا أن يرفع عينيه إلى السيد الضارب، وهو ضاحك السن شاكر لهذه الهزة اللذيذة التي نبهت أعصابه، فإذا أنت فعلت شيئاً من ذلك، أو طلبت بعضه من الخادم العاقل، فلا تجد أمامك إلا كلمة حسابي تنذرك بالمتاعب التي تجرها على نفسك بالوقوف مرة أخرى على أبواب المخدمين ودفع العرايين وقراءة الرخص وشهادة الشاهين.

ولذلك آثرت أنا - الخدم البله على مزاحميهم العقلاء - الخدم العقلاء، ولهذا كان خادمنا - عم سرور حبيبنا إلي وكان عم زايد هو الذي جئت أصفه لكم ساداتي القراء. أعز الأصدقاء.

* * *

وأعجب ما في خلق عم زايد أن الناس يتوسلون بالشراب إلى فك قيود العقل. والتحلل من الرزانة والجد، ولكن عم زايد كان على نقيض العالم كله فلا تزيده البوظة إلا سكوناً ووجوماً، ولا يزداد بها إلا خرساً، وانكماشاً وكان الرجل قليل الأكل، كثير الشراب، ولا أذكر أنه طلب إلى ربة البيت الذي هو فيه يوماً طعاماً، بل لا يزال صابراُ فإن قدم إليه طعام طعم، وإن لم يطعم لم يتكلم ولو أنه نسي شهراً. أو أغفل طعامه زماناً، إذن لغاب عن ذاكرته أن هناك في الدنيا عملية كيماوية اسمها االأكل! بل لمضى على شرابه حتى يقع من شدة الجوع يلهث تعباً وإذ يلوح إليه الناس أمام بصره الزائغ بقطعة من الخبز فتعاود الذكرى أن العالم طعاماً وشراباً لا شراباً فقط.

وكان عم زايد - أسكنه الله الجنة في مقاصير البله والمعتوقين - كثير المشي، فلو أنك أمرته بالتحرك وسرت في أثره فلم تقل له قف عن المسير، لظل يسير في الأرض حتى يصل إلى ساحل البحر فيظل ماشياً يخوض الماء حتى تأمره بالوقوف أو ليسيرن، أشبه شيء بقطار السكة الحديد الذي أغفل سائقه الالتفات إلى إشارة الخطر فجعل يطوي القنطرة حتى وقع في البحر بمن فيه، أو كالجندي الذي أمره نابليون بالانصراف عن حضراته فظل سائراً حتى وصل شاطئ النهر ومشي حتى وقع في البحر غريقاً، لأن قائده لم يقل له دور!. . أي لم يعطه الأمر بالوقوف، وهذا مثل الطاعة البلهاء العمياء التي تطلب إلى الجندي في الجيش.