للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الجمال والحب]

وأثرهما في الحياة (تابع)

هذه المحيطات بنا وما تحويه من الرواء والبهجة هي أكبر الأسباب في استدامتنا الحياة وإبقائنا على أنفسنا. والا فقل لعمرك ما معنى العيش على مابه من آلام وغصص إذا لم يكن حباً في الأرض والسماء والمخلوقات التي حولنا. . لم نريد من كل قلوبنا البقاء في هذا الوجود أطول زمن ممكن ونحن لا نفتر نضج من الأهوال التي ترهقنا إلا إذا كان في العالم الذي نعيش فيه من السحر ما يذهلنا عن متاعبنا وينسينا آلامنا وينفث فينا من السرور ما ينعشنا ويحيينا.

أو أن كل العرض من الحياة استبقاء النوع كما يرى شوبنهور وإن كل ما في الوجود إنما يخدم هاته الغاية فتقديرنا للجمال وميلنا إليه وحبنا وجهادنا ونصبنا وكل ما نعمل وما نحتمل إنما هو من أجل الأجيال القابلة وتحسينها وإذا صح هذا وكان غاية الطبيعة من كل الأجيال المتعاقبة هي هذه فأي شيء يكون نتيجة ذلك كله وما الذي سيحدث بعدما لا نهاية له من الأبناء وأبناء الأبناء.

إني أميل لأن أصدق إلى حد غير قليل بنظرية استبقاء النوع وتحسينه ولكني لا أستطيع أن أجعلها الغاية التي من أجلها كانت كل الوسائل كما جعلها شوبنهور. وعلى هذا فأني أعتقد أن الفرد يعيش لنفسه لا للنوع فقط وإن عواطفه وإحساساته إذا كان فيها شيء يميل بالطبيعة لجهة استمرار الإنسانية فإن فيها غير ها كثيراً جعل لأسعاده هو وتغلبه على مضض الأيام بأن يبعث إليه من العالم الذي حوله أريجاً منعشاً للآمال يزيد قوة الحياة فيه ويخدر أعصابه إذا اضر بها الألم كما أن قواه العاقلة كلها تعمل لهذه الغاية من غير ملل وتنجح دائماً في الوصول إليها.

من الأيام القديمة حين كانت الإنسانية لا تزال في طفولتها نرى في أقوال السالفين من التغني بالجمال أو تصويره وتمثيله ما يدلنا على إحساس هؤلاء الناس به وإذا كنا نقتصر في أمثلتنا على مشاهدات التاريخ فإن ما خلفه قدماء المصريين وراءهم من التماثيل يدلنا على هذا كما أن شعر المتقدمين كله يبين لنا عن حبهم لأشياء مخصوصة يصفونها بالجمال وكلما تقدمنا مع العصور تقدم ولع الناس زاد شغفهم ورق نظرهم واجتلوا من المكنون في