للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالموضوع الذي يبحث الناقد عنه ويتكلم فيه.

قالو ومن ضروريات النقد أن يعترف الناقد بحسنات خصمه قبل أن يذكر سيئاته ليكون ذلك ادعى إلى تصديق الظن به وتحسين الرأي فيه وعدم أتهامه بالميل أو الحسد أو الاستجابة للأهواء ولست أرى هذا الرأي ولا أميل إليه لأني أعتقد أن النفس التي لا تميل إلى الحق إلا إذا توسل إليها بأنواع من الملق والتزلف وفنون من المدح والاطراء خليقة أن لا يحفل بها الناقد ولا يلتفت إليها لأنها إنما ترغب في الحمد والثناء لا في الحق والصواب قالوا وإذا كان الكتاب مؤلفاً في الفلسفة الإلهية مثلاً فمن الجهل نقد أغلاطه اللغوية ولست أدري من أين لهم هذا الرأي فإن للعالم بالفلسفة أن ينقد الكتاب في موضوعه وللعالم بالألفاظ أن ينقد الكتاب في ألفاظه ولم يقل أحد أننا إنما نريد الرقي في موضوع دون موضوع وإنما نريد أن نرقي في ألفاظه ولم يقل أحد أننا إنما نريد الرقي في موضوع دون موضوع وإنما نريد أن نرقي في ألفاظنا كما نريد أن نرقي في أفكارنا ولو أننا شايعناهم في هذا الرأي ومالأناهم عليه لانعقدت ألسنتنا وتحطمت أقلامنا وغلت أيدينا بإزاء ذلك الكاتب الذي يؤلف كتابه في الطب والمنطق بلغة العامة ودهماء الناس.

قالوا ولا يحسن بالناقد إلا أن يكون معتدل اللهجة بريئاً من الغلو في التشهير بخصمه والقدح فيه وهذا حق لاينكره إلا مكابر أو عنيد ولكن مالهم يكرهون قول الحق والاعتراف به ويعدونه نوعاً من الشتم وقاسي الكلام فلو أني قرأت فصلاً من كتاب فضحكت من سخفه أو خجلت من جهل صاحبه وقلت في نقده أنه مخجل أو مضحك لم أكن عنده إلا سبابة سفيهاً مع أني لم أقل إلا الحق ولم أمل إلا إليه

ومبلغ القول أن شروط النقد كلها تنحصر في شيء واحد وهو الاعتدال وعدم الميل إلى الهوى والغلو في الثناء أو الهجاء.

هذه كلمتنا المجملة على النقد في نفسه ومما لا شك فيه أن النقد ينقسم بانقسام موضوعاته أقساماً شتى يهمنا منها النقد الأدبي والعلمي أي الذي يتعلق بفنون الكلام ولهذا النوع من النقد شروط وأركان خاصة نحن آتون عليها في الأجزاء الآتية وسنبدأ منها بنقد الشعر في الجزء الآتي إن شاء الله.