للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فصاحته ومكانته من البلاغة قيماً عندهم ولا مستجاداً لديهم وتلك قاعدة فطرية فإن الشيء ذا القيمة الغالية والمكانة العالية لا ينبه شأنه ولا ينبل أمره إلا عند من له بأمثاله علم ومعرفة.

وبعد ظهور الإسلام وارتقاء العقل العربي ارتقت منزلتهم في النقد واشتدت عنايتهم به ورغبتهم فيه وأخبارهم وآثارهم المستفيضة في ذلك تغنينا عن إقامة الحجة وتكلف البرهان وجملة القول أن النقد لا يكون راقياً عالي المنزلة في أمة ما إلا إذا كانت هي في نفسها راقية سامية المنزلة في الموضوع الذي يتناوله النقد ويقصد إليه ولنا بعد هذا كله أن نقول أن ما تبلغه الأمم من رقي في الحضارة وتفوق في العلم وفوز بالسيادة وتمتع بأنواع الحرية العقلية والسياسية والشخصية ليس إلا نتيجة لازمة لرقي النقد فيها فالنقد هو أحسن مقياس يمكن أن يقاس به صعود الأمم وهبوطها ورفعتها وانحطاطها.

شروط النقد

أما شروط النقد فقد كثر فيها قول القائلين وتعددت مذاهبهم واختلفت أهواؤهم ولاسيما في هذا البلد الذي ليس للنقد فيه إلا مكان المبغض القالي ومنزل الممقوت الذميم.

فترى الكاتب أو الشاعر إذا ألح به الناقد فبين نصيب نثره أو شعره من الخطأ والصواب ومن الصحة والفساد أبرق وأرعد وأرغى وأزبد ورمى الناقد بتهم أقلها ممالأته للهوى واستجابته للحسد واسترساله في الشتم والسب وغلوه في الادعاء والغرور ولست الآن بإزاء القول المفصل في شروط النقد ولكني أقول على سبيل الإجمال أن النقد نوع من أنواع المناظرة فكل ما يشترط في الجدل يشترط فيه إذ كلاهما لم يصطنع إلا لإظهار الحق وخذلان الباطل ولا شك في أن الشتم والسب والتقريع والتأنيب ليس شيء منها بطريق إلى الحق وإنما الحق نتيجة البحث الهاديء المعتدل الذي يبرأ من الاستجابة لعواطف الحب والبغض ونحوهما فلا يمكن أن يكون الناقد منصفاً إذا استجاب لعاطفة من هذه العواطف فمالأ خصمه وانحاز إليه أو ظلمه وألح عليه وإنما الانصاف مزاج لا يعتدل إلا بصدق النية وحسن المقصد وتحكيم العقل ورفض الهوى وعدم الاستسلام إلى العواطف والوجدان.

وإذا كان النقد في كل شيء لا يصدر إلا عن ذي العلم بذلك الشيء والتفوق فيه كان نقد الجاهل نوعاً من لغو القول وسخف الحديث وكان من الشروط الضرورية في النقد العلم