للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[القلب الكسير]

للكاتب الأميركي واشنطن لوفنج حذق في الصوف، ومهارة في التأثير وخبرة عريضة بمواضع الضعف من القلوب البشرية، وعلم جم بعواطف الناس وآلامهم ووجدناتهم، فهو يودع كل ما يكتب عقله وقلبه، حتى لتقرأ له أجف مقالاته وأخشن رسالاته، فلا ترى بين أثناء كلماتها، وأضعاف فقرها، إلا كلمة حكيمة، أو دمعة مستهلة، أو ضحكة مفترة، أو فكاهة عذبة.

وليس أرفنج بعد بالروائي الصنع الذي يجيد حبك الرواية، ويملؤها بالأسرار المشوقة، والحوادث الغريبة، والألغاز العجيبة، ويدخل عليها من سرقات اللصوص، وتجسسات الشرط، وفضائح العشق، وغير ذلك مما ترى في الروايات الفرنسية والإنجليزية الموضوعة لتفكهة العامة، وكما تشاهد في أغلب الروايات التي تقذف بها المطابع في كل يوم مع صحف الغرب ومجلاته فلا ينتظرن القارئ من أرفنج روائياً على نحو كونان دويل وهول كاين وديماس، فإن الرجل يخاف على القارئ الملل والسآمة، فيصوغ خواطره وآراءه في أسلوب روائي، على قدر الطاقة، يحشد له فيها من فلسفته وحكمته وبدائع آرائه على مثال ما يكتب فطاحل الروائيين الغربيين في هذا العصر.

وإلى القراء قصة له صغيرة سماها القلب الكسير، وصف فيها قلب المرأة إذا كسرته الخيبة في الحب، وأرسل فيها العنان لخواطره، وأفاض في فلسفة الحب ومواقعه من قلوب الرجال والنساء. وجاء في آخر آرائه بقصة مؤثرة مبكية مستثيرة، وهي معدودة من أول حسنات أرفنج، وأبدع ما خط قامه. . قال أرفنج.

جرت العادة عند أولئك الذين جاز بهم العمر حد الشباب وحرارته، والذين نشؤا في بهجة الحياة المبددة، وفرحة العيشة اللاهية، لا قلوب لهم تنبض وتحقق، ولا أفئدة تحسن وتشعر، أن يضحكوا من قصص الحب ورواياته، ويسخروا من حادثات الهوى وحكاياته، ويقولوا تلك أساطير خيالي، وتلك تلفيقات روائي، وتلك أغاليط شاعر، أما أنا فقد علمتني مشاهداتي لطبائع الناس وملاحظاتي أن أرى غير رأيهم، وأذهب غير مذهبهم وأعتقد أنه مهما برد أديم الخلق من هموم الدنيا، وجلد من أمور المعاش، ومتاعب الحياة، وتلقن الابتسامات والضحكات من تكاليف الناس، ومصطلحات الجماعة، فما يزال في أعماق ذلك القلب الجليد نيران هاجعة خافية، لا تكاد تشعل حتى تستمر وتضطرم وقد يكون من